Author

تصور عالم من دون منظمة أوبك

|
أستاذ جامعي ـ السويد


منظمة الدول المصدرة للنفط، والمعروفة اختصارا بـ"أوبك"، أشهر من نار على علم. وإن وضعنا هذه المنظمة ضمن سياق المنظمات العالمية، ربما لا تبزها شهرة إلا منظمة الأمم المتحدة.
بيد أن "أوبك" قد لا توازيها شهرة وتأثيرا أي منظمة عالمية أخرى ضمن نطاق اختصاصها، وهو إنتاج وتسويق السلع على المستوى العالمي.
ومنذ نشأتها في عام 1960، فإن هذه المنظمة هي مدار الأخبار والنشرات الاختصاصية التي تعنى بشؤون السلع والمال والاقتصاد.
وكذلك، كانت ولا تزال هدفا للنقد الذي يصل حد التجريح أحيانا. يلومها المستهلكون الكبار عند ارتفاع الأسعار، ويغدقون المديح على أعضائها حين تخفيضها من خلال زيادة الإنتاج.
وكانت هناك اتهامات جاهزة لوصف المنظمة بأنها تمثل أكبر احتكار "كارتل" لسلعة استراتيجية في العالم وأنها تتلاعب بالأسعار. وأكثر من مرة هددت الولايات المتحدة بوضع المنظمة تحت طائل مشروع قانون "نوبك" الذي سيعرضها لدعاوى قضائية بتهمة الاحتكار.
لقد مرت سفينة "أوبك" بعواصف كثيرة ولكن استطاعت تجاوزها. إنها منظمة غير متجانسة، حيث تضم، قبل خروج قطر، 15 عضوا، من النادر أن تتطابق توجهاتهم ومواقفهم الفكرية والسياسية.
بالطبع هناك لبس في تسمية المنظمة الذي يستدل منه وكأنها تمثل كل الدول المنتجة للنفط، بيد أنها في واقع الحال لا تمثل إلا بعض الدول المنتجة. رغم ذلك فإن أعضاء "أوبك" كانوا ولا يزالون أصحاب سطوة في تسويق وإنتاج النفط، يسهمون في أكثر من ثلث الإمدادات النفطية في العالم، ويستحوذون على 70 في المائة من الاحتياطيات النفطية المثبتة فيه.
وإن بقيت "أوبك" متماسكة حتى الآن، فإن الفضل في ذلك يعود إلى السعودية. من مصلحة السعودية أن تبقى "أوبك" كمنظمة متماسكة ولو في الحد الأدنى.
ورغم أن التوصل إلى أي قرار في "أوبك" يتطلب الإجماع، إلا أن الواقع والتاريخ يشيران إلى أن السعودية هي التي تملك القرار، لحصتها الكبيرة والمؤثرة والمرنة لتقرير معدلات الإنتاج والتصدير.
السعودية كانت ولا تزال الدولة النفطية الوحيدة في العالم ذات القدرة الاحتياطية الكبيرة التي تمكنها من زيادة أو تقليص معدل الإنتاج للتأثير في العرض والأسعار بشكل مؤثر وسريع ومباشر.
كانت ولا تزال إلى حد كبير كل الدول المستهلكة الرئيسة للنفط والدول المنتجة له من داخل المنظمة وخارجها تنتظر ما ستقوله أو تفعله السعودية لتحديد مسار الإنتاج والأسعار على مستوى العالم.
مع كل هذا، يبدو، وحسب تقارير وأبحاث ظهرت في الفترة الأخيرة، أن منظمة أوبك في خطر، وذهب البعض إلى التحذير بأن المنظمة في خطر وجودي.
وكل باحث أو كاتب تقرير حول مسار النفط وإنتاجه وتسويقه يستند إلى معطيات للبرهنة على موقفه وتوقعاته. ولكن ما يجمع هذه الأبحاث والتقارير والمواقف السياسية أن العالم قد يكون أفضل لو انهارت منظمة أوبك، أو لو انتهى اجتماع للمنظمة بقرار أنه لم تعد هناك حاجة إلى هذا النادي بعد اليوم.
لا ينكر أحد أن السنين الماضية شهدت تحولات هيكلية في إنتاج وتسويق النفط، وأبرزها تبوؤ الولايات المتحدة الصدارة في الإنتاج متقدمة على كل من السعودية وروسيا.
ويشهد العالم كذلك ثورة صناعية في الإنتاج غير التقليدي، قصب السبق فيه للولايات المتحدة. لقد أصبح النفط الصخري حقيقة وواقعا قائما وندا - على الأقل في مستوى المستقبل المنظور - للإنتاج التقليدي لدول "أوبك".
والمنظمة صارت اليوم أمام واقع يبدو أن لا مفر منه، وهو أن صناعة النفط الصخري صارت في منأى عن حرب الأسعار نتيجة التطور التقني الهائل الذي مكن هذه الصناعة من تحمل أي هبوط حاد في الأسعار.
لقد استمرت صناعة النفط الصخري رغم إفلاس كثير من الشركات عندما هوت الأسعار إلى أقل من 30 دولارا في عام 2014.
واستطاعت هذه الصناعة التكيف مع تقلبات الأسعار نتيجة زيادة كفاءتها التقنية والعمل بجدية على تخفيض تكاليف الإنتاج والمعدات الخاصة بالحفر.
مع كل هذا، لا أظن أنه في إمكان النفط الصخري والزيادة المطردة في إنتاجه، ولا سيما في الولايات المتحدة، تهديد "أوبك" أو تشكيل خطر وجودي عليها كمنظمة.
وهناك عدة أسباب تدعو إلى عدم القلق، منها أن إنتاج النفط وتسويقه وتسعيره لا يزال عرضة للتقلبات التي قد تؤدي إلى فوضى في الأسواق من دون منظمة ذات تماسك ولو بالحد الأدنى مثل "أوبك".
فالدلائل تشير إلى أن المقومات التي تستند إليها سوق النفط كانت ستؤدي في الوقت الراهن إلى زيادة كبيرة في الأسعار أو ربما هبوط حاد لا يرغب فيه المنتج والمستهلك في آن واحد لولا منظمة أوبك وفي مقدمتها السعودية.
لنتصور لوهلة ماذا كان سيحدث للأسعار لولا الاتفاق الذي أبرمته "أوبك" مع روسيا لتخفيض حصص الإنتاج تحملت مجمل أعبائه السعودية.
ولنتصور لوهلة ماذا كان سيحدث للأسعار لو رفضت "أوبك" وفي مقدمتها السعودية التعويض عن التقلبات الحادة في العرض بعد تقنين أو خفض الإنتاج في دول مثل نيجيريا وإيران وفنزويلا وليبيا.
صحيح أن عالم النفط اليوم يختلف عن عالم النفط في السابق، ولكن ترك الأمور على عواهنها - أي غياب منظمة مثل "أوبك" تسعى للتوازن بين السعر والعرض والطلب وتضع مصلحة المستهلك والمنتج في عين الاعتبار – كان سيؤدي إلى فوضى لن يتحمل تبعاتها اقتصاد عالمي هش صار فيه الاقتصاد الأول في العالم "أمريكا" والاقتصاد الثاني في العالم "الصين" على شفا حرب تجارية.

إنشرها