Author

خفايا مجزرة الأحد الدامي السريلانكية

|


في الحديث عن الجريمة الدموية الشنعاء التي وقعت في 21 أبريل الماضي" صبيحة عيد الفصح" في سريلانكا المسالمة لا يكفي فيها التنديد بالمجرمين، ولا يكفي تحميل المسؤولية لتنظيم داعش الإرهابي فحسب. فبقدر ما تتحمل هاتان الجهتان مسؤولية مقتل ما لا يقل عن 300 ضحية بريئة وجرح مئات آخرين وتدمير منشآت مدنية ودور عبادة، فإن اللوم يقع أيضا على الأجهزة الأمنية المحلية التي تباطأت في اتخاذ إجراءات استباقية لمنع حدوث الجريمة المروعة.
نقول هذا لأن الأجهزة الأمنية الهندية سارعت بما جمعته من معلومات استخباراتية إلى تحذير السلطات السريلانكية من احتمال وقوع هجوم إرهابي وشيك على منشآت حيوية في البلاد. غير أن كولومبو نظرت إليها باستخفاف ولم تأخذها بمحمل الجد لأسباب سنفصلها لاحقا.
تقول التقارير التي نشرتها الصحافة الهندية وبعض صحف جنوب شرق آسيا إن السلطات الهندية قامت في يوليو 2016 بالإعلان عن اختفاء 20 شابا وامرأة من ولاية كيرالا وأنها توقعت حينذاك أن هذه المجموعة غسلت أدمغتهم من قبل تنظيم داعش الإرهابي ثم أرسلوا إلى إقليم نانجهارد الأفغاني للقتال إلى جانب أشباههم من النشطاء الراديكاليين في ولاية خراسان من أولئك الذين عرفوا بسعيهم للتخريب في ولايات الجنوب الهندي وسريلانكا وبنجلادش وجزر المالديف، بل ممن كانوا في الأساس جزءا من منظمة "تحريك طالبان"، مظلة الميليشيات الإسلامية في ولاية "خيبر باشتونخوا" الباكستانية الحدودية.
بعض أفراد هذه الجماعة يعتقد أنهم قتلوا في غارة جوية أمريكية، أما الهنود منهم فقد عملت المخابرات الهندية بالتعاون مع نظيرتها الأفغانية على استرجاعهم، فعاد ثلاثة منهم في منتصف العام الماضي وتم إيقافهم بمجرد وصولهم. أحد هؤلاء يدعى "باسط" وهو الذي اعترف للمحققين الهنود بوجود شبكة داعشية تعمل من بلدة "كومباتور" الصغيرة في ولاية تاميل نادو ذات الروابط الإثنية والثقافية مع سريلانكا والمواجهة للسواحل السريلانكية.
وبناء على هذه المعلومات وغيرها شن الأمن الهندي هجوما مباغتا على مواقع عدة في تلك البلدة أسفرت عن ضبط أقراص مدمجة تحتوي على خطب متطرفة للمدعو "هاشم أزهر" زعيم الجماعة التي ارتكبت مجازر سريلانكا، كما أسفر الدهم عن ضبط تسجيلات صوتية لمحادثات أجراها الأخير مع أنصاره في بنجلادش وأفغانستان. بعد ذلك بفترة قصيرة أوقفت السلطات الهندية ستة أشخاص من ذوي العلاقة بأزهر وحصلت منهم على معلومات ثمينة عن الأخير سربتها إلى الجهات المعنية في كولومبو، لكن الأخيرة لم تحرك ساكنا إلا بعد أن وقعت الفأس في الرأس، ليكتشف أن العملية الإرهابية القذرة تقف وراءها جماعة محلية متطرفة تدعى" جماعة التوحيد الوطنية"، وأنها اشترت مصنعا للنحاس من صاحبها المدعو "إنصاف أحمد" من أجل صناعة المتفجرات والقنابل الحارقة لاستخدامها في واحدة من أفظع الأحداث الإرهابية التي شهدتها سريلانكا منذ انتهاء حربها الأهلية مع جماعة نمور التاميل الانفصالية التي استمرت من عام 1983 إلى عام 2009.
يقول بعض المراقبين إن عدم قيام السلطات الأمنية السريلانكية بإجراءات استباقية، في ضوء المعلومات التي أمدتها بها نظيرتها الهندية، ليس له سوى ثلاثة تفسيرات: أولها أن كولومبو فاجأتها تلك المعلومات ولم تعرف كيف تتصرف بسرعة، وثانيها أنها كابرت كون المعلومات وصلت إليها من جهة أجنبية هي الهند ولم تجمعها بنفسها، وثالثها أنها تركت الإرهابيين يفعلون ما فعلوه من أجل استثماره سياسيا في الانتخابات المقبلة سنة 2020 ضد الرئيس الحالي ماتريبالا سيراسينا على خلفية الأزمة السياسية والدستورية التي وقعت في البلاد في عام 2018 ولا تزال آثارها كامنة، وذلك حينما أقصى سيراسينا رئيس وزرائه رانيل ويكريماسينجا واستبدله برئيس الجمهورية السابق ماهيندا راجاباسكا قبل أن ترغمه المحكمة الدستورية على إعادة ويكريماسينجا إلى منصبه رغم أنفه.
ولعل ما يعزز نظرية المؤامرة هذه ــ طبقا لمحللين آسيويين ــ وجود خلافات وتضارب في المسؤوليات بين المؤسسة العسكرية السريلانكية التي تخضع لرئيس البلاد سيراسينا والمؤسسة الأمنية التي تخضع لخصمه رئيس الوزراء ويكريماسينجا، علاوة على ظهور انشقاقات في المؤسسة الأخيرة نفسها. فمثلا حينما دعا ويكريماسينجا إلى اجتماع أمني طارئ في أعقاب وقوع الأحداث الإرهابية، لوحظ غياب عدد من كبار رموز المؤسستين.
من ناحية أخرى، أشارت الصحف الآسيوية إلى حقيقة أن الإرهابي أزهر وصديقه ومموله تاجر التوابل محمد يوسف إبراهيم كانا معروفين لدى الأمن السريلانكي. فالأخير كان على علم بأن أزهر من الطلبة النجباء في المدارس الدينية المتطرفة في باكستان وأفغانستان والمالديف، وأنه سافر إلى سورية، وحينما عاد إلى مسقط رأسه في كاتان كوندي قرر أن ينشق عن "جماعة التوحيد" ويؤسس تنظيمه الخاص تحت اسم "جماعة التوحيد الوطنية" ويبني مسجده ومدرسته الخاصة التي راح من خلالها ينشر الكراهية والتطرف وضرورة اللجوء إلى العنف من أجل إعادة دولة الخلافة، الأمر الذي حدا ببعض المسلمين من أبناء قريته إلى التقدم بشكوى ضده للشرطة المحلية بدعوى تسببه في شق صفوفهم، فأصدرت الشرطة مذكرة ضده. أما تاجر التوابل، الذي شارك اثنان من أبنائه وزوجة أحدهم في العملية الانتحارية، فقد عرف بنفوذه وعلاقته بأزهر، وارتباطه بالنخب السريلانكية.

إنشرها