Author

الله يعينك يا نورة

|


صالات المطارات هي الصورة المصغرة لحقيقة الحياة التي نعيشها، حيث تنكسر القلوب حزنا لفراق لا بد منه، أو تتراقص فرحا للقاء طال انتظاره، وجوه عابرة كثيرة بعضها لن يلفت نظرك والآخر سيظل محفورا في ذاكرتك، كانت "نورة" من بين تلك الوجوه التي شدتني أثناء انتظاري في صالة رحلة داخلية، امرأة شابة لم تتجاوز الـ30 تحمل رضيعا بين يديها وخلفها يسير ثلاثة أطفال لم يتجاوز أكبرهم الثامنة من عمره وكلهم ذكور، ملامح الانكسار التي ترتسم على تعابير وجهها وتلك النظرة الحائرة في عينيها جعلتني أدرك أن حكاية مريرة تعيشها تلك الشابة، شقاوة أطفالها أشعرتها بالحرج كثيرا، حاولت بكل جهدها السيطرة عليهم لكنها فشلت، كانوا يدخلون تحت مقاعد الجالسين ويخرجون من الجهة المقابلة ثم يصعدون على الطاولات الجانبية ويقفزون منها، ويشاكسون الأطفال الآخرين ويتعاركون معهم، وكالجندي المهزوم في المعركة لم تجد تلك الشابة سوى الاستسلام وترك الحبل على الغارب لأطفالها، حين جلست بجانبي التفت إليها وبكل عفوية وقلت لها: "الله يعينك على عيالك"، لم أكن أظن للحظة واحدة أن تلك الكلمة قد تحدث ذلك الأثر في نفسها، لكأنني ألقيت حجرا في بئر عميقة فأحدث صدى أكبر من الصوت نفسه، انهمرت دموعها سراعا وهي تقول: "إي والله الله يعيني"، حاولت إخراج منديل من حقيبتها لتمسح دموعها فجذب أحد أطفالها الأشقياء "طرحتها" فسقطت من رأسها وكاد رضيعها يقع من بين يديها، أخذته منها لأمنحها فرصة لتعيد طرحتها على رأسها، لم أكن بحاجة إلى أن أسألها عن حكايتها لكأنما كانت تنتظر كلمة من أحدهم حتى تنسف جدارا ثقيلا يكتم أنفاسها، عرفت منها أن اسمها "نورة" وتزوجت قبل عشرة أعوام من ابن خالتها وعاشت السعادة والهناء معه إلى أن أنجبت الطفل الثاني، حيث دبت المشكلات بين والدتها وخالتها واشتدت بينهما إلى أن تقاطعت الأختان تماما، ثم بدأت خالتها أم زوجها تكرهها وأصبحت أمها تكره زوجها، وفي وسط كل هذه المشاعر السلبية بدأت المشكلات الزوجية بينهما فأصبحا هما الضحية لمشكلات الأختين وبالتالي لم يعد زوجها يسافر معها حين تذهب لزيارة أهلها وهذا ما يفسر وجودها لوحدها مع أطفال أشقياء!
ليت أمها وخالتها وزوجها رأوها في تلك الحالة المزرية وهي تجاهد أطفالها بكل حرج، بذور الكراهية يدفع ثمنها الأبرياء فمتى نكف عن زرعها رحمة بأحبتنا؟!
ما أقول إلا "الله يعينك يا نورة"!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها