Author

عندما لم أناده بالدكتور

|

عندما كنت طالبا في إحدى جامعاتنا قبل عدة سنوات، ناديت محاضر إحدى المواد بـ "الأستاذ".
لم أكد أكمل مفردتي حتى انتفض من مكانه وانقض علي مهاجما، وعيناه يتطاير منهما الشرر.
زأر في وجهي ويداه ترتعشان، والقلم يكاد يسقط من بين أصابعه:
"من أنت حتى تجردني من لقب الدكتور الذي حصلت عليه بعد مشوار مضن وعسير؟! من سوء حظي أنني أدرس طلبة جهلاء لا يفرقون بين الحاصل على الماجستير وبين الحاصل على الدكتوراه".
وأكمل توبيخه ووعيده قائلا:
"عموما لن أسمح لك أو له بتكرار هذا الخطأ، وقد أعذر من أنذر".
حاولت الاعتذار له عن خطئي، وأنني لا أعلم عن مؤهله، وأن ما بدر مني كان عفويا وتلقائيا ولن يتكرر.
فقاطعني قبل أن أكمل، مؤكدا أنه يعرف نواياي رغم أنها المحاضرة الثانية التي حضرتها له.
لم أنس هذا الموقف أبدا، وقد ترك أثره العميق في داخلي، وبخاصة بعد أن درست في الخارج، ولاحظت كيف ينادي معظم الطلاب أساتذتهم بأسمائهم لا ألقابهم.
أذكر ذات مرة أن مشرفي الدراسي في مرحلة الدكتوراه في بريطانيا رفض أن أناديه بلقب الدكتور، مشيرا إلى أن اللقب ينبغي أن يكون مرتبطا بالأوراق والملتقيات العلمية، بحسب رأيه.
كل ما أتمناه أن تنتقل هذه الرؤية إلى أروقة جامعاتنا العربية، وأن تزول الحواجز والألقاب بين الأساتذة والطلاب.
لا نقلل من أهمية وجدارة أساتذتنا بأي لقب أكاديمي ينالونه. ولكن لا يجوز أن يكون اللقب هو الهاجس والطموح. ولا أن يكون هو مصدر الفخر والاعتزاز.
إن النجاح الحقيقي لأي أستاذ جامعي ليس في عدد المرات التي ينادى فيها بلقب دكتور، بل في عدد الأبحاث التي أنجزها، وعدد الطلاب الذين تعلموا على يديه وتفوقوا.
الدكتور الحقيقي لا ينتظر من الآخرين مناداته بلقب دكتور، لأنهم سيمطرونه به من تلقاء أنفسهم؛ تعبيرا عن امتنانهم ومحبتهم وتقديرهم، لدوره ووعيه وقربه ودعمه، وليس خوفا منه أو رهبة.
إذا لم تمنح "الدال" صاحبها تواضعا، فعليه إعادة النظر في تلك الشهادة، التي يجب أن تجعله أكثر تصالحا مع الآراء الأخرى، وأكثر لينا وتسامحا.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها