Author

الطيران العالمي بين السلبية والإيجابية

|

ليس قطاع الطيران العالمي في مجمله يواجه مشكلات أو مصاعب أو خسائر. هناك شركات طيران في دول تحقق أعلى نمو اقتصادي، إلا أنها تواجه خسائر كبيرة، أدت ببعضها إلى الخروج من السوق نهائيا. وهناك دول أقل نموا -اقتصاديا- إلا أن شركات الطيران فيها تتمتع بأداء جيد، وتحقق أرباحا، وتستحوذ على نسبة متزايدة من المسافرين. أي: إن الأزمة ليست شاملة في قطاع الطيران المدني العالمي، ولن تكون كذلك في المستقبل لأسباب عديدة في مقدمتها ارتفاع الطلب على السفر الجوي في العالم كله الذي حقق مستويات تاريخية في السنوات القليلة الماضية، ناهيك عن ارتفاع حجم الشحن الجوي كل عام أيضا، ولا سيما في ظل الأسعار المغرية حقا لشحن أسرع يمكن الاعتماد عليه في كثير من القطاعات.
في الهند هناك مشكلات تواجه بعض شركات الطيران المدني، وهذا أمر يبدو طبيعيا إذا ما أخذنا في الحسبان تعاظم سيطرة شركات الطيران الكبرى على السوق. وهذا موجود أيضا ففي البلدان المتقدمة قلما تجد شركات صغيرة تستطيع الصمود طويلا في ظل وجود "الحيتان" الكبرى في الأجواء، ناهيك عن أن الشركات الكبيرة قادرة على الصمود المالي حتى في عز مواجهتها أي مصاعب مالية كانت، فضلا عن أنها قابلة للإنقاذ في أي وقت، بما في ذلك تدافع المؤسسات المالية لإنقاذها خصوصا إذا ما كانت تمثل قيمة استثمارية واضحة. أي: إن الشركات الكبيرة تأخذ الحصص المتوقعة من الشركات الصغيرة. ولذلك نجد خروج هذه الشركات من السوق بين الحين والآخر.
وهذه المسألة ليست جديدة، فكثير من شركات الطيران المدني الصغيرة توقف حول العالم في العقود الماضية، وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008 تعرضت شركات الطيران الكبيرة والصغيرة لضربات مالية موجعة بعد تراجع حجم السفر والشحن على المستوى العالمي وإغلاق شركات الطيران ليس حكرا على منطقة أو قارة، ففي أوروبا هناك شركات تتوقف بصورة مستمرة، وفي شمال أمريكا وجنوبها كذلك. المسألة تتعلق في النهاية بجودة أدائها، وجدوى عملها في هذه السوق أو تلك. فحتى بعض شركات الطيران الاقتصادية التي كان ينظر إليها على أنها لا تخسر بدأت تتوقف واحدة تلو الأخرى، بسبب تراجع الطلب، وارتفاع تكاليف التشغيل، ولا سيما الرسوم العالية في المطارات المختلفة.   
ومن الأسباب الأخرى للمشكلات التي تواجه شركات في قطاع الطيران المدني العالمي: أن بعضها أقدم على توسعات كبيرة لم يستطع احتواءها في زمن قصير. وهذا رتب على هذه الشركة أو تلك ديونا هائلة. لا يمكن أن نضع الفساد كعامل مباشر لأنه متفاوت من شركة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، لكن في النهاية السبب الرئيس يبقى أن الشركات الكبيرة لا تسيطر على السوق فحسب، بل آخذة في ابتلاع شركات صغيرة ومتوسطة في بلدان عديدة. وهذا يؤكد مجددا أن هناك طلبا متزايدا بالفعل في سوق الطيران المدني، إلا أن شركات هذا القطاع تتقدم وفق جودة استراتيجيتها، والحوكمة التي تتبعها في إدارة عملياتها. وفي الآونة الأخيرة باتت الشركة الناجحة هي تلك التي لا تتورط في التوسع غير المحسوب بصرف النظر عن المغريات الموجودة على الساحة.

إنشرها