Author

توظيف علم الاقتصاد

|
مستشار اقتصادي


هناك نقد وجدل واسع حول علم الاقتصاد وتوظيفه، على أثر الأزمة المالية / الاقتصادية، لا يزال مستمرا منذ عقد. بعض النقد سبق الأزمة، لكن الأزمة أعطته وقودا جديدا ونواحي أخرى، لكنه ما زال مستمرا. يهمني الموضوع من عدة نواح؛ الأولى، هناك ناحية فكرية جديرة بالاهتمام، خاصة في متابعة نشأة وتطور الأفكار والسياسات الاقتصادية عموما، بما في ذلك حاجتنا الماسة إلى تطوير سياسات اقتصادية ناجعة، الثانية، أن مصدر الأفكار الاقتصادية ما زال يأتي من الغرب، لكنه في الأخير علم اجتماعي، لذلك الوعي بالمعطيات الداخلية ضروري، إذ لا تكفي معرفة نظرية، خاصة أن مجتمعنا لم يدرس بما فيه الكفاية من ناحية تنموية، لذلك يبقى ناقصا، خاصة أن مركز الجدل الأخير لم يكن ذا علاقة وثيقة باقتصادات التنمية من ناحية وعلاقتنا المحدودة بالأزمة من ناحية أخرى، "رغم ما ذكر أحيانا أننا استطعنا تجاوز الأزمة"، النواحي التنموية هي الأهم لنا، الثالثة، ولها ارتباط وثيق بالثانية أن المملكة في حالة تغير وبحث عن توجه اقتصادي كبير دون توطين عميق للمهنة، لذلك من الأحرى أن نبحث عن المعرفة أيا كانت الظروف والفرص. كل واحدة من هذه النواحي تستحق دراسة وليس مجرد تنويه عابر في عمود اقتصادي. لعلي أرجع إلى بعض هذه النواحي في أكثر من عمود مستقبلا.
هذه النواحي الثلاث مترابطة من عدة جوانب بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، الناحية الأولى، أن علم الاقتصاد يتلقى لوما مستحقا بأنه ابتعد عن قواعده الفلسفية والأخلاقية وحتى السياسية واتجه إلى توظيف الرياضيات، وكأنه علم الفيزياء في دقته، وهذا غير ممكن عمليا كما نعرف من هشاشة قدرة الاقتصاديين على قراءة المستقبل. تفصيليا هذه الناحية أوضح في الاقتصاد الكلي منها في الاقتصاد الجزئي، لكن الصعوبة التحليلية حين نقفز من الجزئي إلى الكلي في توظيف أدوات تحليلية متشابهة، إذ ليس الاقتصاد ماكينة، لكنه أقرب إلى منظومة مجتمعية، لكن الأدوات الرائجة اليوم تتعامل معه كأنه ماكينة.
الناحية الثانية، أن الجدل في غالبه نقد لممارسات في اقتصادات الدول المتقدمة، خاصة أمريكا من حيث الصراع الفكري والسياسي "الممارسات" بين مدرسة كينز ومدرسة الليبرالية الجديدة، وحتى أكثر في الاقتصاد المالي، بينما أدبيات الاقتصاد التنموي مختلفة، اختلافها لا يعني أن بعضها غير مهم لنا، لكنه ليس الأساس في إدارة اقتصاد نام يعتمد على سلعة واحدة ونسبة أياد وافدة كبيرة. هذه الصفات والمعطيات تجعل التحدي الاقتصادي مختلفا جوهريا، لكن البعض منا يستعير حلولا وعلاجات بعيدة وإن بدا بعضها سطحيا ذا علاقة، فمثلا هناك حديث عن تقليد تجربة بريطانيا في التخصيص، لكن الظروف مختلفة نوعيا، أو ملاحقة صندوق سيادي، بينما لدينا حاجة إلى استثمارات مؤثرة داخليا. لحسن الحظ جاءت "الرؤية" وبرامج التحول لإعطاء الاقتصاد أهمية أكبر، وبالتالي تغيير الحديث الاقتصادي.
الناحية الثالثة، تبرز في الحاجة إلى التنويه ببعض التغيرات في البيئة العامة والتعامل مع عناصر مجتمعية كثيرة، مثل الترفيه وتوسيع دوائر الثقافة العامة، بعضها اقتصادي والبعض الآخر يؤثر في الاقتصاد سواء فكّرنا في الاقتصاد بالمفهوم التقليدي أو بمفهوم التنمية الاقتصادية. هناك جزئيات تحتاج إلى مزيد من التطوير في النواحي الأكاديمية والتحليلية، ممثلة في الحاجة إلى تقوية أقسام الاقتصاد في الجامعات ومراكز الفكر والبحث، وتطوير علاقاتها بالجهات التنفيذية في الحكومة والقطاع الخاص، وإشاعة الوعي الاقتصادي، لكي تتكون درجة أعلى من الاتفاق على المرجعيات.

إنشرها