Author

مؤشرات نجاح المسيرة الجديدة للاقتصاد السعودي

|


اهتمت كثير من الدراسات الاقتصادية التي تم إجراؤها على الاقتصاد السعودي بفهم محركات النمو فيه، وأثبتت هذه الدراسات كافة أن أسعار النفط هي المحرك الرئيس، وهذا مما هو معلوم بالضرورة من الواقع الذي عاشته المملكة منذ فجر الله ينابيع النفط فيها، لقد بحثت الدراسات في كل المحركات الأساسية، لكن هيمنة النفط على الأثر النهائي جعلت كل هذه المحركات غير ذات أهمية، رغم وجودها فعليا. ولقد جاءت خطط التنمية منذ الأولى حتى التاسعة بحلم رفع أهمية وأثر باقي المحركات دون تحقيق نجاح يذكر، لقد خضنا من أجل ذلك تجارب مختلفة، لعل أبرزها تجربة التصنيع في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، لكننا عدنا ووقعنا في فخ الصناعات المعتمدة على النفط، ثم جاءت التجربة الزراعية، لكن التكلفة والعائد لم يبررا الاستثمارات الضخمة والآثار السلبية في المخزونات المائية، ثم مررنا بتجارب غير مثمرة وغير مفسرة اقتصاديا ولم تحقق أي أثر، حتى عادت أسعار النفط إلى الطفرة مرة أخرى وعدنا من حيث بدأنا، نسأل كيف يمكننا تجاوز قضية سيطرة النفط كمحرك وحيد للاقتصاد، حتى جاء العهد الزاهر للملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وبدأنا بوضع "رؤية" شاملة ترتكز على محاولة جادة لتصحيح مسار المحركات الاقتصادية، حيث ترتكز على محاور الميزة التنافسية للمملكة، وكان على رأسها أن للمملكة عمقا عربيا وإسلاميا وفيها الحرمان الشريفان، ثم هي تملك قدرات استثمارية ضخمة، إضافة إلى الموقع الجغرافي المميز الذي يربط بين قارات العالم الكبرى.
من هذه المنطلقات تم بناء برامج "الرؤية" الشاملة، ثم بدأت مراحل التنفيذ بالإصلاحات الهيكلية للأجهزة الحكومية وإطلاق برنامج الإصلاح المالي، ثم برنامج صندوق الاستثمارات العامة، ثم المشاريع الاستثمارية الكبرى في الرياض ونيوم والبحر الأحمر مع برنامج تطوير الصناعة والخدمات اللوجستية وبرنامج دعم القطاع الخاص، وجاء إطلاق هذه البرامج الضخمة في وقت كانت الأسواق النفطية تتراجع، ولهذا ظهرت بعض الأعراض السلبية على النمو، لكن سرعان ما تجاوز الاقتصاد هذه المرحلة بوتيرة هي أسرع مما كان مخططا لها، وبينما كنا نعتقد أن المملكة قد يصعب عليها الوصول إلى التوازن المالي بحلول عام 2020، وهذا أدى إلى تغيير تاريخ الاستحقاق حتى 2023، لكن الاقتصاد السعودي حقق المستحيل في فترة وجيزة جدا. ومع الربع الأول من هذا العام 2019، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط، خلال جلسة "إدارة المخاطر الجيوستراتيجية" في مؤتمر القطاع المالي، انتقال الاقتصاد السعودي من النمو السلبي إلى الإيجابي، كما أن اعتماد السعودية على النفط أصبح أقل في الربع الأول من عام 2019 مع انخفاض معدل البطالة، وتركيز سوق العمل على المهارات التي تحتاج إليها، ومستوى الجودة والاستدامة، هكذا ظهرت المؤشرات مبكرا على نجاح التجربة الجديدة للاقتصاد السعودي في رحلة التخلص من الاعتماد على النفط، وأن ملامح هذه التجربة تؤكد أنها فعلا مختلفة تماما، وأن الممكنات الجديدة للاقتصاد السعودي هي الحل المنشود.

إنشرها