Author

العالم .. يتسابق باتجاه الطاقة المتجددة

|


تسجل المؤشرات الاقتصادية الدولية أرقاما تؤكد بها أن دول العالم تتسابق بقوة نحو الطاقات المتجددة.
بمعنى أن أهم ما يشغل الدولة الحديثة في القرن الـ21، وبالذات الدول الناشئة هو البحث عن الطاقات المتجددة، بل إن الرهان على الطاقة المتجددة أصبح خيارا استراتيجيا عند كثير من الدول المتقدمة والناشئة، بل حتى عند الدول النامية التي تسعى إلى تفادي التكاليف العالية التي تدفعها من ميزانياتها المحدودة لتأمين البترول لتشغيل مكنتها الاقتصادية.
وبصورة عامة نلاحظ أن الدول في جهودها نحو الطاقة المتجددة تحاول أن تتفادى الاعتماد على النفط كمورد رئيس للطاقة، حتى الدول البترولية تسعى إلى عدم الاعتماد على النفط كمورد رئيس للطاقة.
وإذا استعرضنا الأسباب الكامنة وراء هذا الموقف العالمي من النفط.. نجد أن العالم يريد أن يتفادى الاعتماد على النفط لسببين، السبب الأول أن البترول مادة ناضبة، وأنه في المستقبل القريب أو البعيد سيغيب عن الأسواق رضينا أم أبينا، وإذا شح البترول من الأسواق، فإن الحضارة الحديثة ستصاب بالإعاقة وربما الإعاقة الكاملة، وهذا بالطبع لن يرضي أي مخلوق عاقل يعيش فوق هذا الكوكب.
أما السبب الثاني فهو أن النفط يفرز انبعاثات سامة تتسبب في إلحاق أضرار بالغة بالبيئة، ولقد ثبت أن احتراق البترول أسهم في تكريس وتفجير دفعات الاحتباس الحراري الذي بات يهدد أماكن متعددة من العالم، وليس فقط البترول يلحق أضرارا بالبيئة، بل إن الفحم الحجري يتهدد البيئة، فالصين على سبيل المثال تستخدم الفحم الحجري لإنتاج 70 في المائة من حاجتها من الكهرباء، ويترتب على هذا الاستهلاك الواسع انبعاث كميات ضخمة من غاز ثانى أكسيد الكربون المضر بالمناخ والمسبب للاحتباس الحراري، وبحسب تقرير رسمي صدر عن الحكومة الهندية فإن حاجة الهند من الكهرباء تتزايد، وستبلغ خمسة أضعاف المعدل الحالي في الأعوام القليلة المقبلة، وكما هو الحال في الصين فإن الفحم يعد المصدر الرئيس للطاقة في الهند إذ يوجد في الهند أكبر احتياطي للفحم في العالم. وإذا كان العالم كله قد خفض من معدلات استخدام الفحم، إلا أن معدلات استهلاك الفحم في الصين والهند يتزايد بشكل ملحوظ.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن محاولات خفض استخدام الطاقة هي محاولات يائسة وبائسة، والدول سواء كانت دولا متقدمة أو ناشئة أو دولا نامية، فإنها تتجه إلى استخدام واسع للكهرباء، ولن تكون هناك حضارة إذا لم تستخدم المجتمعات الإنسانية مزيدا من الكهرباء لتحقيق التنمية والنمو، وإذا سلمنا بهذه الحقيقة، فإن الطلب العالمي على الطاقة في تزايد ولا يمكن إيقافه أو حتى التخفيف منه.
وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي فإن كل الدول الأوروبية وكل المنظمات المعنية بالنفط تعمل على التخلص من البترول قدر الإمكان للسببين الآنفي الذكر، وهما أن النفط مادة ناضبة، وهو أيضا مادة تضر بالبيئة ضررا فادحا.
ويفيد المشهد الدولي حاليا أن الأزمات السياسية التي تجتاح العالم كأزمة المفاعل النووي الإيراني أدى إلى حشر البترول في القرارات السياسية ما حدا بالغرب إلى اتخاذ قرارات بوقف شراء البترول الإيراني عقابا لإيران على إصرارها في الاستمرار في مشروعها النووي، وطبعا هذه المقاطعة أدت إلى تورط الاقتصاد العالمي في زيادة متوقعة لأسعار البترول، وهذه الزيادة كما نعرف جميعا ستدفع أسعار كثير من السلع والخدمات في الأسواق العالمية إلى الزيادة. وفي ضوء كثير من التحديات التي فرضت نفسها في سوق الطاقة العالمية، فإن "رؤية السعودية 2030" تراهن على الطاقات المتجددة وتعطي عناية فائقة لمشاريع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومشاريع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة.
والواقع أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لها تاريخ طويل مع الطاقة المتجددة، وسجلت لنفسها كثيرا من الإنجازات في مجال الطاقة الشمسية والطاقة النووية، كذلك فإن مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة لم تأت إلا بعد دراسات مستفيضة قامت بها جهات حكومية عدة، ففي آب (أغسطس) 2009 رفع مجلس الشورى إلى المقام السامي اقتراحا بإنشاء هيئة سعودية للطاقة الذرية، وبناء على هذا الاقتراح أصدر المقام السامي أمرا بتشكيل لجنة وزارية برئاسة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية رحمه الله وعضوية وزير المياه والكهرباء ووزير الصحة لوضع تصور شامل عن الاحتياجات الوطنية من المياه والكهرباء في الحال والمستقبل، ومن ناحيتها فقد رفعت وزارة البترول والثروة المعدنية دراسة جاء فيها أن المملكة تشهد نموا بمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه وزيادة ملحوظة في الطلب على الموارد الهيدروكربونية الناضبة التي تستخدم جزءا كبيرا منها في توليد الكهرباء والمياه، ولذلك فإنه من الضروري توفير الموارد الهيدروكربونية واستخدام مصادر بديلة رخيصة الثمن ولا تلحق أضرارا بالبيئة، ونقصد هنا استخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء والمياه، وفي ذلك تتحقق الميزتان الأولى ضمان توفير المياه والكهرباء بصورة دائمة وتحقيق وفر كبير من الموارد الهيدروكربونية الموسومة بالنضوب.
وهكذا فإن الأمل معقود على المدينتين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة لتحقيق الأمل الكبير الذي نسعى إليه منذ عقود طويلة، وهو إيجاد بدائل للطاقة تحل محل النفط حتى نحافظ على مستوى معدلات نمو الناتج القومي الإجمالي، وبالتالي تستمر المملكة في تنفيذ برامج ومشاريع التنمية المستدامة وفق "رؤية السعودية 2030"، وباختصار إن الطاقة المتجددة هي وقود الحضارة الإنسانية، وهي خيار استراتيجي عند كل دول العالم لاستمرار الحضارة الإنسانية وتحقيق آمال البشرية في كوكب ينشد الأمن والخير والرخاء.

إنشرها