FINANCIAL TIMES

لندن .. هيئة رقابة تستفز «سيليكون فالي» إلى الاستجابة

لندن .. هيئة رقابة تستفز «سيليكون فالي» إلى الاستجابة

لندن .. هيئة رقابة تستفز «سيليكون فالي» إلى الاستجابة

يشكو ساسة بريطانيون منذ أعوام من أنهم غير قادرين على اتخاذ إجراءات ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية، الواقعة على بعد أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر في سيليكون فالي.
توصلت الحكومة البريطانية أخيرا إلى محاولتها الأكثر تفصيلا حتى الآن لحل المشكلة، بطرح خطة جديدة ستجعل من المملكة المتحدة حالة اختبار من حيث تنظيم الإنترنت.
في قلب الاقتراح واجب رعاية قانوني لشركات التكنولوجيا، يتم تطبيقه من خلال هيئة تنظيم قوية، ومواثيق سلوك وعقوبات شديدة.
على أن السؤال بالنسبة إلى شركتي جوجل وفيسبوك وشركات أخرى هو ما إذا كانت هيئة التنظيم الجديدة ستتمتع بصلاحيات واسعة، وكم سيستغرق الوقت حتى تفرض عقوباتها.
خطة المملكة المتحدة تأتي على شكل وثيقة سياسة مكونة من 98 صفحة، معروفة باسم تقرير حكومي خضع للمشاورة طوال مدة 12 أسبوعا.
واجب الرعاية القانوني سيكون صورة عن مسؤولية أصحاب العمل تجاه الصحة والسلامة. عقوبات المخالفات تشتمل على الغرامات، وحظر الخدمات، بل حتى توجيه تهم جنائية ضد كبار المديرين.
يقول المؤيدون إن واجب الرعاية سيكون مرنا بما يكفي للتكيف مع التغييرات في قطاع التكنولوجيا. إلا أنه يتطلب من البرلمان أولا إقرار القانون.
هذا ليس مهمة سهلة، بالنظر إلى أن التقرير الحكومي نفسه قد تعرض لأشهر من التأخير، في الوقت الذي كانت فيه حكومة تيريزا ماي مشغولة بـ"بريكست".
يحظى المشروع بدعم من الأحزاب، على الرغم من أن حزب العمال المعارض يريد أيضا مزيدا من التركيز على السلوك المعادي للمنافسة، من قبل شركات التكنولوجيا.
النقاط الرئيسة الأخرى التي لم يتم تقريرها بعد: هيئة تنظيم الإنترنت قد تكون هيئة جديدة مستقلة؟ أم تلعب هيئة أوفكوم لتنظيم وسائل الإعلام الحالية الدور؟ أم تكون مزيجا من هيئة أوفكوم وهيئة مراقبة البيانات، وهي مكتب مفوض المعلومات.
كما لا تزال الحكومة أيضا تنظر في كيفية تمويل هيئة التنظيم، بما في ذلك عبر فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا.
وليم بيرين، الباحث في مؤسسة كارنيجي تراست في المملكة المتحدة، التي يؤثر عملها في الحكومة، رحب بالخطة متحفظا بقوله إنه ينبغي للوزراء "تحديد مسار أوضح" لتنفيذها. مواثيق السلوك المؤقتة فيما يتعلق بالمواد الإرهابية والإساءة إلى الأطفال من المتوقع أن تصدر هذا العام، لكن تلك المتعلقة بموضوعات أخرى لن تصل إلا بعد أن يتم تعيين هيئة التنظيم.
عندها سترى الشركات تفاصيل التنظيم الجديد، بما في ذلك الحدود الزمنية لإزالة المحتوى غير القانوني.
جيرمي رايت، وزير الثقافة البريطاني حث اللاعبين الرئيسين على عدم الانتظار قبل تغيير سلوكهم. وقال إن "أي شركة إنترنت تتمتع بالحس السليم... ستفعل شيئا الآن"، مضيفا أن واجب الرعاية "غير قابل للتفاوض".
وقال رايت إنه في حين أظهرت شركات التكنولوجيا قدرا من الممارسة "التفاعلية الجيدة جدا"، مثل إزالة المواد المتطرفة، إلا أنه يريد الآن سلوكا "استباقيا"، مثل تصميم الخدمات بطريقة تقلل من الأذى.
النهج الذي تتبعه الحكومة "قائم على المخاطر" – من خلال إعطاء الأولوية للمواد مثل صور الإساءة إلى الأطفال، التي لها تأثير مباشر كبير في رفاهية الأفراد.
وهناك تركيز على "الإنترنت المفتوح" على نحو يستثني الشبكة الخبيثة وأدوات الرسائل الخاصة، التي تصبح أيضا ملاذا للمحتوى الضار.
قالت كاثرين ميلر، مديرة السياسة في مؤسسة دوت إفري ون الفكرية "هذا تنظيم يمس كل الناس إلى حد كبير. إنهم يفترضون أن معظم الناس لا يريدون رؤية محتوى عنصري أو مسيء أو التعرض للتضليل على أساس يومي".
الدافع لتنظيم شركات التكنولوجيا كان سمة بارزة في البيان الانتخابي للسيدة ماي في عام 2017. في حين أنه تم التخلي عن أجزاء أخرى من البيان، إلا أن وزارة الداخلية ووزارة الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة – وهما الوزارتان الرائدتان في تنظيم الإنترنت - تشجعتا بسبب الحوادث البارزة التي تتضمن شركات وسائل التواصل الاجتماعي.
رجل بريطاني، إيان راسل، ألقى اللوم على صور إيذاء النفس على إنستجرام وبينتيريست للمساهمة في انتحار ابنته مولي، البالغة من العمر 14 عاما، في عام 2017.
كما تم انتقاد موقع يوتيوب التابع لشركة جوجل لاستضافة البث المباشر لعمليات القتل في مذبحة كرايست تشيرتش. فضيحة كامبريدج أناليتيكا سلطت الضوء على دور شركة فيسبوك في نشر المعلومات المضللة وجمع البيانات الشخصية. المجموعة المتنوعة من القضايا التي تم تناولها في التقرير الحكومي أدت إلى مقارنة بقواعد الخصوصية الشاملة في الاتحاد الأوروبي. تنظيم حماية البيانات العام، الذي دخل حيز التنفيذ في أيار (مايو) من العام الماضي، اعتمد على تهديد الغرامات الضخمة لإقناع الشركات بإنتاج منتجات أكثر أمانا، بعد أن تبين أن تنفيذه معقد بالنسبة لهيئات تنظيم حماية البيانات التي تعاني نقصا في العاملين.
أشار رايت إلى العقوبات التي فرضها تنظيم حماية البيانات العام بنسبة 4 في المائة من حجم المبيعات العالمي أو 20 مليار يورو، أيهما أكبر، كخطة محتملة لتنظيم التكنولوجيا الجديد في المملكة المتحدة. وقال لشبكة بي بي سي: "نعتقد أننا ينبغي أن ننظر إلى شيء مماثل هنا".
تشير شركات وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحيان إلى حجم المحتوى الهائل على منصاتها، حيث تجادل أنها لا يمكن أن تتحمل مسؤولية قانونية كاملة على المواد دون تقييد حرية التعبير.
وقالت ربيكا ستيمسون، رئيسة السياسة في شركة فيسبوك في المملكة المتحدة، "القواعد الجديدة للإنترنت ينبغي أن تحمي المجتمع من الأذى، وفي الوقت نفسه أن تدعم الابتكار والاقتصاد الرقمي وحرية التعبير".
قوانين التكنولوجيا في أماكن أخرى في العالم تواجه أيضا نصيبها من المشاكل، حيث اضطرت الحكومة الفرنسية هذا الشهر إلى إقناع شركة تويتر بالسماح لإعلانات رسمية بترويج مشاركة الناخبين، بعد أن حجبت حملة حكومية نتيجة الامتثال لقانون فرنسي جديد ضد الأخبار المزيفة.
قالت ميلر، "بصراحة لا أحد يعرف ما إذا كان التنظيم قابلا للتنفيذ، إلا أن هذا صحيح لكل التنظيمات في هذا المجال". وأضافت أن شركة فيسبوك "خائفة من التحدث بصراحة في أي نوع من الامتثال" للتنظيم.
تعلمت الحكومة البريطانية أن تأخذ احتجاجات شركات التكنولوجيا بنوع من التشكك: قال أحد الوزراء: "دائما ما تقول إنها لا تستطيع، ثم يتبين أنها تستطيع".
مع ذلك، فإن وزير الثقافة رايت يواجه شكاوى من نشطاء حرية التعبير، الذين يقولون إنه حتى الصحف يمكن أن تجد نفسها عالقة في هذا التنظيم.
جادل رايت أن خطة الحكومة تستهدف مجالات الإنترنت غير الخاضعة للتنظيم حاليا: "لسنا مهتمين بأنشطة الصحافيين والمحررين المحترفين".
يريد آخرون نهجا أكثر توسعا. مارتن لويس، أحد نشطاء التمويل الشخصي الذي رفع دعوى ضد شركة فيسبوك، بسبب عروض ترويجية على الإنترنت استخدمت صورته دون إذن، اشتكى من أن التقرير الحكومي لم يتناول عمليات احتيال الشركات. وقال إنه "يضغط من أجل تنظيم مناسب لها في أماكن أخرى".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES