Author

نظرية النقد الحديثة و«ساما»

|
مستشار اقتصادي


في الآونة الأخيرة تكاثر طرح نظرية النقد الحديثة MMT في الوسط الاقتصادي خاصة في أمريكا ما جعلني أفكر في مدى تأثيرها فينا خاصة أن مفاتيح السياسة العامة لدينا ما زلت مالية وتقوم بدور محدود للسياسة النقدية "الحقيقة أكثر تعقيدا إذ إن لدينا سياسة نقدية لكنها مرتبطة بسياسة ارتباط الريال بالدولار" لكن حتى مع هذا الارتباط هناك درجة من المرونة لدى مؤسسة النقد في أسعار الفائدة والتحكم في الاحتياطيات المصرفية، ولذلك دائما الصورة الاقتصادية والمالية أكثر تعقيدا من الخضوع لتبسيط عام. الأزمة العالمية الأخيرة قلبت الموازين في أحد أهم التفسيرات المقبولة في السياسة النقدية ونتائجها. فمثلا كان هناك تصور مقبول بين الاقتصاديين أن التوسع في العجز سوف "يطرد" فرص تمويل الاستثمارات في القطاع الخاص وأن أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا ولمدة طويلة ستنتج مستوى عاليا من التضخم. أثبتت التجربة على الأقل إلى الآن وبعد عقد أن هذا لم يحدث وبالتالي تطور تصور جديد ولو أن الفكر ليس جديدا وحتى التجربة إلى حد ما كانت تمارس في اليابان منذ عقود، لكن حين تأخذ بها أمريكا تصبح أكثر أهمية للعالم وأيضا لنا بسبب الارتباط بين الريال والدولار.
MMT في الأساس امتداد للكينيزية الجديدة وتقوم النظرية في أبسط صورها على ناحيتين، الأولى أن العجز المالي الفيدرالي ليس مهما طالما أن هناك فرصا للتوسع والنمو الاقتصادي إلى حد توظيف الموارد المادية والبشرية خاصة في الدول التي لديها القدرة على "طباعة" العملة. والثانية مدى استقلالية النظام المصرفي في إيجاد النقود من خلال الإقراض وليس من خلال الودائع والاحتياطيات كالأساس. كان العجز فزاعة توظف من قبل كثير من الاقتصاديين لكن بعد أن تعود الوسط الاقتصادي على العجز والزيادة المطردة في الدين العام وأخذت البنوك المركزية بالقفز إلى المجهول من خلال سياسات التسهيل الكمي بدا وكأننا أمام فضاء مختلف. مركزية أمريكا والدولار تجعلها في منأى عن مخاطر العجز والدين على الأقل في المدى المنظور وهذا ينطبق على اليابان إلى حد أقل خاصة أن أغلب الدين مقوم بالين، ولكن حين نحاول تطبيق ذلك على دولة نامية ذات اقتصاد غير عميق مثل تقريبا كل الدول النفطية، حيث الإيرادات بالعملة الصعبة والصادرات إما موارد طبيعية أو منتجات قليلة القيمة المضافة والدين بالعملة الصعبة فإن تحدي توفير العملة الصعبة يصبح من أهم التحديات الاقتصادية. توافر العملة يتطلب سياسة مالية أولا ومن ثم سياسة نقدية لحين إجراء تعديلات هيكلية اقتصادية تستطيع السيطرة على توافر النقد الأجنبي من خلال فائض في ميزان المدفوعات.
في ظل هذا الإطار العام يصعب أن تجد مساحة جديدة للنظرية النقدية الجديدة في الدول النامية إذ لا مناص من تعميق الاقتصاد من خلال رفع الإنتاجية وتصاعد سلم القيمة المضافة. فمثلا لن تنفع السياحة كرافد مهم لكن ثانوي يدعم النجاح لكن لا يسبب نجاحا، إذ إن السياحة في ظل سياسة دعم نوع من الهدر للموارد. مرحليا المهم لنا عدة نقاط: الأولى، أسعار الفائدة قد تستمر في مستوى منخفض تاريخيا، ما قد يفيد حالة الاقتراض المؤقتة أملا؛ الثانية، سياسة الارتباط بالدولار ما زلت من مصلحتنا لكن المتغيرات واردة على أكثر من صعيد ما يزيد الحذر؛ الثالثة، الحاجة إلى الإسراع في تعميق الإصلاحات الاقتصادية كما اقتضت "الرؤية"؛ الرابعة، إن الاستفادة من النظرية يكون بعد تحقيق نجاح اقتصادي نوعي، إذ إن هذا أحد خصائص العصر وهو أن تستفيد من الجديد حين تكون في مستوى معين من الكفاءة؛ الخامسة، هناك من يعتقد أن هذه النظرية أقرب للخزعبلات مثل بل جيتس وفنك مدير أكبر صندوق عالمي لإدارة الأموال خاصة أن التنظير الاقتصادي أحيانا يمر بومضات والواضح أنها غير مناسبة لدول عملاتها لا تشكل احتياطيا لعملات الآخرين إذ سينتج عنها تضخم عال بسبب تآكل سريع في قيمة العملة، لذلك قد تسبب مخاطر في التضخم لاحقا إذا أسيء تقدير دورها خاصة أنها قد تساعد البعض في التهرب من تحديات الإصلاح الجذرية تحت وهم جديد.

إنشرها