Author

الحنين للماضي

|


كنت ممن ينتقدون كل ما أشاهده من حديث الذكريات والحنين الذي يتناوله كبار السن، حين يربط الجميع من يأتي بعدهم بلوثة البعد عن القيم والمفاهيم، ويرمون المجتمع بالهروب من الالتزامات، ويحثون على تأصيل فكر أن "الماضي خير من الحاضر". لعل هذا من المفاهيم التي يمكن أن يراها كل من يعيش مرحلة لينتقل إلى مرحلة يكون تأثيره فيها أقل، وقد يكون شكله العام حتى مختلفا.
استغراب كثير من الممارسات بين الأجيال كان أكثر وضوحا، بحكم العلاقة المتشابكة بين الناس، والقرب بين مختلف الفئات وقدرة الكبار على التعبير عن آرائهم بحرية وهي تشمل بلا شك الاعتراض على التغيير "غير المبرر" في السلوك والمظهر.
أذكر أنني أول ما عملت بعد التخرج في الجامعة وجدت أحد رفاق العمل ينتقد خروجي في الليل دون أن أضع الغترة والعقال، في تلك الفترة كان من العيب أن تفعل ذلك في المدينة التي عملت بها. كان الجميع -قبل مرحلتنا- يلبسون البشت ويستغربون عدم ارتدائه حتى من الطلبة. التغيير استمر ليصبح من يفعل هذه الأشياء منبوذا وغريب الأطوار.
اجتمعت بالأمس مع مجموعة من موظفي الدولة حيث كان أكبرهم ــ سنا ومرتبة ــ لا يرتدي شيئا على رأسه. هذا في حال اللبس، ولعل التغييرات في أمور أخرى أكثر بكثير. يستمر كل منا في محاولة تأصيل أسلوبه وقناعاته، لكننا في النهاية ملزمون بأن نقر لكل واحد بما هو مقتنع به ما دام لا يخالف الشرع، أما العرف فهو في حالة من الفقدان لا يمكن أن نعتبره فيها شيئا عاما.
نقدي هذا هو من قبيل "لا تشمت يالشمات"، وهو معلوم للجميع. فما تعبر عنه من نقد للغير لا بد أن تقع فيه عاجلا. غالبا. هنا يأتي اعترافي بالحق المشروع للكل أن يروا في مرحلتهم أفضل المراحل، ويعبروا عن ذلك. هذه القناعة أخذت مني وقتا طويلا لتتأكد اعترافا بالحق الذي لا يمكن إلا أن نتعايش معه، إن كنا منطقيين.
الحنين للماضي حق للجميع، ورفضه قد لا يكون بدرجة الاستحقاق نفسها، لهذا أقول للجيل الجديد أو الأجيال التالية: دعوا كل من يريد أن يأنس ليأنس بما يأنس به، وتقبلوا المختلف لأنكم ستكونون في مكانه يوما من الأيام.

إنشرها