Author

مهنة المحاسبة .. بين التعليم والتوطين

|

التخصص العلمي في المحاسبة من التخصصات التي تكسب الطالب مهنة تميزه عن كثير من التخصصات، فالتخصص المنتهي بإيجاد مهنة للمتعلم من أهم ما يمكن أن يحرص عليه طالب العلم. تخصص المحاسبة تطور خلال العقود الماضية؛ ليصبح من أهم التخصصات العلمية في دراسات الأعمال Business Studies نظرا للتنوع والتخصصية المهنية، ولحاجة السوق إلى هذا التخصص المهم، الذي يشمل فروع المحاسبة المالية، والمحاسبة الإدارية ومحاسبة التكاليف، والمحاسبة الحكومية والمحاسبة القومية، والتحليل المالي والتنبؤ، المحاسبة الضريبية والزكوية، تدقيق الحسابات والمراجعة، الحوكمة والمراجعة الداخلية ومحاسبة المسؤولية الاجتماعية والبيئة والمحاسبة الإبداعية وغيرها من التخصصات الدقيقة. 
مهنة المحاسبة تطورت مع التطور الحاصل في الحياة من وظيفة تعمل على مسك الدفاتر، وتسجيل العمليات الحالية والتقرير عن نتائجها للمُلاك لتصبح في وقتنا الحالي من أهم الوظائف القيادية في القطاعات المختلفة، مهنة المحاسبة دوليا تجد تقديرا وتقييما منطقيا، وتحقق عوائد مجزية، تقابل أهمية هذه المهنة ومخاطرها العالية، حيث يعد متوسط الدخل لمحترفي مهنة المحاسبة دوليا نحو 60 ألف دولار سنويا "نحو 20 ألف ريال شهريا"، وفقا لموقع استقطاب وتوظيف الكوادر البشرية ziprecruiter. في حين يحقق منصب المدير المالي في القطاع الخاص ما بين 177 و470 ألف دولار حسب حجم الشركة "664 ألف ريال و1.8 مليون ريال تقريبا".
وقد تطور التعليم في هذا التخصص العلمي، وأصبح يشمل جميع مراحل الدراسات، ويندر أن تجد جامعة في العالم لا تدرس هذا التخصص في مراحلها الأولية أو الدراسات العليا. وقابل ذلك تطور في الجانب المهني والجمعيات والمؤسسات المنظمة للمهنة حول العالم. وإن كانت هذا المنظمات المهنية في عالمنا العربي ما زالت تعاني الضعف، وعدم القدرة على إثبات الوجود. وهنا يجب تفعيل الشراكة بين مؤسسات التعليم العالي والجهات المهنية "المستقلة، والممثلة لشرائح المهنة كافة"، وبين قطاعات الأعمال العامة والخاصة والقطاع الثالث، من أجل تمكين وتطوير هذه المهنة.
تشير البيانات إلى أن حجم وظائف المحاسبية في المملكة يصل إلى أكثر من 170 ألف وظيفة يشغلها وافدون حاليا، وقد بدأت وزارة العمل في خطة لتوطين هذه الوظائف للفترة المقبلة، ما سيكون له أثر فعال في استقرار المهنة وتطويرها. ولكن حتى يتحقق ذلك لابد من العمل على إيجاد كيان مهني للمحاسبين، بعيدا عن الجمعيات المهنية المتخصصة التي أضاعت دورها بين دعم المهن المتخصصة، وبين التركيز على المهنة بشكل عام. ودخلت في مجال التعليم لتحقيق عوائد تساعدها على الاستمرار في منافسة للقطاعات التعليمية المتخصصة، والتركيز على تطوير البرامج التعليمية العليا وإيجاد قنوات تواصل بين مؤسسات التعليم والقطاعات المهنية من أجل دعم وتطوير العملية التعليمية، والبحوث والدراسات ودعم ذلك بالتشريعات المناسبة لتمكين المحاسب السعودي من العمل وفرض استقرار المهنة داخليا. وهذا سيعود بفوائد كبيرة على مهنة المحاسبة بجميع فروعها، وتمكين شباب وشابات الوطن للمساهمة في النهضة الوطنية ومواكبة التطور العالمي لهذه المهنة. مع أهمية الحذر من الرسائل المحبطة التي تدعي بأن وظيفة المحاسبة ستكون من الوظائف المندثرة بسبب التقنية والذكاء الاصطناعي، والحقيقة أن وجود العامل البشري سيظل مهما جدا حتى في ظل التطور العلمي والبرمجيات. وأتمنى أن تعطى هذه الوظيفة حقها من الاهتمام والتطوير من خلال لجنة عليا بعيدا عن الأجهزة التنفيذية.

إنشرها