Author

هل تحدد التطورات الأخيرة وسط الرياض؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


وسط المدن العالمية الكبرى لم يتغير مع مرور عشرات أو ربما مئات السنين، رغم أن السكان زادوا خلالها مرات ومرات. ذلك أن حدود تلك المدن ثابتة عادة. والتوسع يقلص الفراغات بين المدن والمراكز الحضرية المتجاورة.
ما وسط الرياض؟ الجواب التقليدي المألوف رسميا وشعبيا أن وسط الرياض يعني الديرة التي بها قصر الحكم وما حواليها من الجهات الأربع. وهي على وجه التقريب المربع شمالا وشارع الأعشى جنوبا والملز شرقا وطريق الملك فهد غربا.
هذا الجزء كان هو لب مدينة الرياض في عهد الملوك عبدالعزيز وسعود وفيصل رحمهم الله، أي منذ توحيد هذه البلاد وإلى ما قبل بضعة و40 عاما. خلال هذه المدة بني مطار الرياض القديم في شمالها، وبني حي الملز وأسست فيه جامعة الملك سعود وأقيمت الوزارات بين المطار ومدينة الرياض.
السؤال الجوهري التالي: هل هذا الجزء من مدينة الرياض مازال وسطها جغرافيا، وهو ما يفترض فهمه من كلمة وسط؟
الجواب بالتأكيد لا. إذ لم يعد هذا الجزء الوسط الجغرافي للرياض. ويمكن التأكد بفتح خريطة مدينة الرياض وأحيائها. تمددت الرياض خاصة جهة الشمال ثم الشمال الشرقي بما جعل الديرة وما حواليها أقرب إلى جنوب مدينة الرياض كما هي حاليا.
أسباب التمدد لجهتي الشمال أولا ثم الشمال الشرقي حكمتها ظروف كثيرة. وكان للمواقع المكانية لوزارات وأجهزة الدولة الكبيرة دور على هذا التمدد. وبعض الوزارات على مواقع ذات طبيعة استثمارية، وبمساحات تفوق الحاجة. من الأمثلة وزارتا العمل والشؤون البلدية.
لا أنوي الدخول في تفاصيل، لكن يهمنا منها في الوقت الحالي أن يتم تحديد قدر الإمكان لوسط مدينة الرياض من ناحية واقعية إداريا وجغرافيا وليس من ناحية تاريخية. وينبغي من الجهات العليا المعنية وضع هذا التحديد، ثم إصدار القرارات وعمل الترتيبات المستندة إلى والمتفرعة من هذا التحديد. خاصة في اختيار مواقع الوزارات والأجهزة الحكومية المركزية ضمن هذا الوسط، مع وضع معايير للاختيار والمساحات.
ما هذا الوسط؟ يمكن أن نقول إن وسط الرياض حاليا ومن ناحية جغرافية وعملية يتركز في المنطقة الواقعة بين غربي المطار القديم وطريق الملك فهد. والتطورات الأخيرة تدفع باتجاه جعل هذا الجزء وسطا عمليا وإداريا للرياض. فقد أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- في 12 رجب 1440هـ، "19 آذار (مارس) 2019" أربعة مشاريع نوعية كبرى في مدينة الرياض، يبلغ مجموع تكاليفها 86 مليار ريال، تشمل: "مشروع حديقة الملك سلمان" و"مشروع الرياض الخضراء" و"مشروع المسار الرياضي" و"مشروع الرياض آرت". وتتركز هذه المشاريع في أرض المطار القديم.
وقد علمنا التاريخ دروسا انتقلت وتباعدت وزارات بعد أن كانت متجاورة ردحا من الزمان. بل يلاحظ أن بعض أجزاء من وزارات في أماكن وأجزاء أخرى في أماكن أخرى. والكلام على مقار وليس على فروع. ويصحب تغير وانتقال الوزارات تكاليف عالية على مالية الدولة والناس. ويلاحظ وجود هدر ومبالغة واضحة في استغلال مسطحات مبان وفي مساحات أراض مخصصة لكثير من أجهزة الدولة، من مطارات وجامعات وأجهزة حكومية أخرى.
باختصار، الحد من الهدر قضية من صلب اهتمامات "رؤية 2030"، وكانت سببا أساسيا في تحويل مصلحة أملاك الدولة إلى هيئة عامة بصلاحيات واختصاصات أكبر. ونتطلع إلى صدور تفاصيل تشريعات وتنظيمات أفضل من الموجودة في مقار أجهزة الدولة وعقاراتها، واستغلالها والثبوت والاستغلال الأمثل في اختيار مواقعها ومساحاتها.

إنشرها