Author

الذكاء بلا زكاء

|


تعاني مجتمعات اليوم إشكالات كثيرة أساسها وجود كثير من الفرص والمزايا والخدمات التي جاءت دون عناء، بل إنها وصلتنا دون أن نكون جاهزين للتفاعل معها وفهم مغازيها بطريقة صحيحة. تؤثر في الفهم العام قلة المعاناة التي تعيشها مجتمعات اليوم مقارنة بمن سبقونا. المعاناة التي يتولد من رحمها الفهم والإدراك والمعرفة بما يمكن أن يصير إليه أمر كل شيء.
عاش الأوائل في ظروف قاسية وسمحت لهم تلك الظروف بمعرفة كثير مما يمكن أن يمر بالإنسان من مآس وفرص ونكبات ونجاحات، لهذا نجد كثيرا من جيل الماضي يتعايش مع النعم بمنطقية أكثر، ويتفهمون الفقد وقلة الحظ أو الرزق بشكل تعاطفي يمكن أن نعتبره في كثير من الأحيان مبررا.
بالعودة لكثير من المتغيرات نكتشف أخطاء في فهم المبررات التي أنشأتها. الاعتقاد السائد بانتشار الحسد ليس من فراغ، وإنما أساسه كثير مما يمارسه البعض ضد البعض الآخر من مفاخرة ومباهاة بما رزقهم الله وهو في المؤكد فضل من الله على عباده لا يرتبط بذكاء أو فطنة أو دهاء ولمن فقد القدرة على ربط هذا التبرير بما يراه ويعايشه، نقول : لديك إشكالية في زكائك.
الزكاء هو ما نحتاج إليه مع الذكاء لنبرر ما نشاهده. صحيح أن الفرص تمر بنا ونتابعها وهي تعبر أمامنا، ونشاهد آخرين يرفلون في مزايا فرص لم يفوتوها، لكن كل ذلك لم يكن ممكنا لولا أن الله قدر لمن انتهز الفرصة أن ينتهزها، ولمن فقد الأخرى أن يفقدها. هذا موضوع سبق أن تطرق له واحد من كبار محاضري الاقتصاد في مؤتمر حضرته قبل سنوات.
قال الرجل بالحرف الواحد لو كان الرزق بالذكاء والمعرفة لكان أساتذة الاقتصاد أغنى الناس، لكننا اليوم نشاهد أن أغلب من هم في قائمة أغنى عشرة في العالم لم يكملوا تعليمهم الجامعي. وقد يكون بعضهم أقل من المتوسط في مستوى القدرات واختبارات الذكاء.
كل هذا يؤكد على نظرية مهمة وهي أنه يمكن للواحد أن يعمل ويعلم ويحارب ويطالب ويجاهد في الحياة الدنيا، وهذا أمر إن نجح فالتوفيق من رب العباد، والإخفاق كذلك. لكنك لا يمكن أن تصل إلى الجهة الأخرى دون أن تتحرك من مكانك فإن وفقت فمن الله وإن لم تصل فهو أمر تبني منه علما تنتفع به في محاولاتك التالية.

إنشرها