Author

إرهاب الدولة في إيران .. دولي

|
كاتب اقتصادي [email protected]


"إيران أنفقت 18 مليار دولار لدعم الإرهاب، في ثمانية أعوام"
وزارة الخارجية الأمريكية

لا يمضي يوم على الساحة العالمية، إلا ويكون للخبر الإيراني حضور محتل الصدارة. وهو دائما من الأخبار المشينة على شاكلة دعم وتمويل الإرهاب، والتدخل العسكري في البلدان الأخرى، وغسيل الأموال، والاضطهاد المتواصل للشعب الإيراني نفسه وسرقة مقدراته، وإنشاء ما أمكن من العصابات الفاعلة والنائمة، وغير ذلك، ما يحتم على المجتمع الدولي ألا يغفل عن النظام الحاكم في هذا البلد. وتبقى العقوبات الأمريكية على طهران متفاعلة، لأنها تضرب النظام بصورة مستمرة، بما في ذلك الإضافات المتواصلة لشخصيات وكيانات تعمل لحساب نظام علي خامنئي سرا، إلى قوائم المقاطعة. ناهيك طبعا عن السجالات التي لا تتوقف أيضا بين الأوروبيين الذين يسعون لإطالة عمر هذا النظام، وبين الولايات المتحدة التي لا ترى فسحة لإعادة تأهيل النظام المذكور، بعد تجارب واختبارات دامت عقودا من الزمن.
المهم الآن: إن العقوبات الأمريكية المشددة بالفعل، تشهد تطورا لافتا يتعلق بإعادة النظر في الإعفاءات التي قدمتها واشنطن لعدد من الدول، من أجل أن تواصل تعاملها مع إيران، خصوصا في المجال النفطي. وهي الصين والهند واليابان وتركيا وإيطاليا واليونان وكوريا الجنوبية وتايوان. كلها مستوردة تاريخية للنفط الإيراني، وقد وجدت الإدارة الأمريكية أن من الأفضل منحها هذه الإعفاءات حرصا على مصالحها. غير أن الإعفاءات المشار إليها ليست مفتوحة الزمن، بل محددة حتى أيار (مايو) المقبل، وهي الفترة التي يجب فيها على هذه الدول أن تتحول إلى مصادر نفطية بديلة، دون أن تخل بوتيرة الإمدادات. بعض هذه البلدان بدأت بالفعل التخلي عن هذا النفط، وفتحت خطوط إمدادات أخرى، حتى قبل انتهاء الموعد المحدد لذلك.
لكن الإدارة الأمريكية تدرس حاليا إمكانية تمديد الفترة، أو إلغاء هذه الإعفاءات، لتصل إلى الموقف النهائي قبل حلول الموعد المشار إليه. فتوجهات هذه الإدارة حاليا تسير نحو ما يمكن اعتباره "صفر صادرات نفطية إيرانية"، وإن كانت هناك بعض الآراء فيها تدعو إلى التريث قليلا، ليس من أجل النظام الإرهابي الإيراني، بل للحفاظ على الأسعار الحالية للنفط في السوق النفطية، على اعتبار أن خروج إيران نهائيا من هذه السوق، سيحدث خللا في الإمدادات العالمية. غير أن هذه الحجة لا تستند إلى حقائق السوق العالمية فعلا. فحتى الإمدادات الإيرانية الراهنة، ليست في مستوى يمكنها من التأثير في وتيرة السوق. وفي الشهر الأخير من العام الماضي قلصت طهران إنتاجها النفطي بمعدل 561 ألف برميل يوميا، ليصل الإنتاج إلى 2.7 مليون برميل يوميا، ولم تحدث هزة نفطية إطلاقا.
كما أن هناك دولا منتجة للبترول يمكنها أن تسد أي عجز في الإنتاج، وعلى رأسها المملكة التي تتبع أصلا استراتيجية نفطية حامية للإمدادات العالمية، وحافظة لها من أي مؤثرات سلبية بصرف النظر عن مصدر هذه المؤثرات. كما أنها البلد الأكثر قدرة على إعادة الأمور إلى نصابها عندما يتطلب الأمر ذلك. وتقوم المملكة منذ عقود بتنفيذ هذه الاستراتيجية العالمية المسؤولة، التي وضعتها لنفسها. فلا خوف من أي تأثير سلبي في خروج إيران نهائيا من السوق النفطية، إذا ما قامت واشنطن فعلا بإلغاء إعفاءات الدول الثمانية المشار إليها. وفي كل الأحوال وصول سعر برميل النفط إلى حدود الـ70 دولارا الآن يعتبر مقبولا من قبل المنتجين والمستوردين، كما أنه يتماشى مع وتيرة الطلب العالمي على النفط بشكل عام.
لا يمكن ترك أي منفذ للنظام الإيراني لجني العوائد النفطية. ويعرف العالم أن هذه العوائد لا تذهب إلى لتنفيذ استراتيجية الإرهاب. والحكومات الأوروبية من أكثر الجهات التي تعرف هذه الحقيقة، وهي كغيرها من الحكومات في العالم تتلقى شرور هذا الإرهاب بأشكال مختلفة. ومع ذلك لا تزال متمسكة بسياسة بائسة في التعامل مع نظام خامنئي. لنترك حكومات أوروبا الآن الغارقة في محيط "بريكست" الهائج. لقد أوقفت فعلا بلدان مثل إيطاليا واليونان وتايوان شراء النفط الإيراني حتى قبل انتهاء مدة العفو الأمريكية. بينما ظهر على السطح، أن الجهود التي تبذلها برلين مع شركائها الأوروبيين للالتفاف على العقوبات على إيران واستمرار التجارة معها لم تكلل بالنجاح. ناهيك عن الشركات في البلدان الأوروبية الأخرى التي لم تجد في سياسة حكوماتها بهذا الصدد ما يدفعها للتعامل مع إيران.
تجفيف النفط الإيراني بات قريبا حقا، وبذلك تكون العقوبات الأمريكية شاملة، وهي في النهاية عقوبات لا تستهدف الشعب الإيراني. وهذا الأخير يعرف الحقيقة. إنها عقوبات لوقف إرهاب الدولة في إيران، ولقطع الطريق أمام استراتيجية الخراب التي يقودها علي خامنئي ومجموعة من الواهمين الذين يحلمون بأنهم يستطيعون الوقوف إلى ما لا نهاية ضد هذا العالم بهذه الاستراتيجية المشينة، وأن بإمكانهم مواصلة قهر شعبهم وسرقته بلا عقاب.

إنشرها