Author

الأكاديميون وضعف المشاركة في برامج التحول الوطني

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي


المشاهد ضعف حجم مشاركة الأكاديميين في دعم البرامج التي تحقق "رؤية المملكة 2030". ولعل أحد هذه الأسباب أن القطاعات الأكاديمية تركز على المدخلات، بينما برنامج التحول الوطني يركز على المخرجات. هذا الاختلاف في النظرة يعكس جزئيا المشاركة الخجولة من قبل القطاعات الأكاديمية خصوصا الجامعات في دعم البرامج الداعمة لتحقيق "رؤية المملكة 2030".
البيئة الأكاديمية تركز على الإجابة عن سؤال: "ماذا يجب عمله"؟ بينما برامج التحول الوطني تبحث عن الخبرات والشهادات المهنية وتحاول الإجابة عن سؤال: "كيف يمكن عمله"؟ لذا لا بد أن يتم العمل على ردم الهوة بين هذين السؤالين.
تجارب الجامعات المرموقة تخبرنا أن هذه الهوة قد لا تكون عميقة كما هي لدينا لأسباب عديدة منها أنك تجد عضو هيئة التدريس يقدم مادة علمية يربطها بخبرته في الميدان واستشارته واطلاعه على المستجدات العلمية ما يوجد تفاعلا بين الميدان الأكاديمي والعملي وإدارة الأعمال. هذا التكامل بين الخبرات الأكاديمية والمعرفية والبحثية وواقع نطاق الأعمال ليس فقط نفتقده في البيئة الأكاديمية لدينا بل أحيانا يعمد البعض إلى إعاقة هذا التوازن والتكامل بين القطاع الأكاديمي وغير الأكاديمي الحكومي والخاص، وهذا مخالف بلا شك لدور أعضاء هيئة التدريس -حسب لائحة التعليم العالي- والمرتكز على ثلاثة محاور: البحث العلمي والتدريس والمشاركة المجتمعية.
كما أن برامج التحول الوطني تسعى لتحقيق مخرجات عبر وضع معايير تحكم هذه المخرجات وتقييم أدائها، من جهة أخرى نجد أن القطاع الأكاديمي يركز على المدخلات في التعيينات والترقيات وخلافه ولا يركز على المخرجات. فمثلا من غير المستغرب أن يتم تعيين عمداء أو وكلاء الكليات، فضلا عن رؤساء الأقسام مِمَّن ليس لديهم خبرة إدارية بل أصبح من الممارسات الطبيعية في الجامعات أن يتم تعيين عميد كلية لعضو هيئة تدريس لم يمض على حصوله على الدكتوراه إلا بضعة أشهر، فضلا عن أن يمتلك الخبرة الإدارية، بل حتى على مستوى وكلاء الجامعات، فنظام الجامعات الحالي حتى المسودة التي تم تداولها لا يشترط عند تعيين وكيل للجامعة أن يكون لديه خبرة إدارية بل يشترط أن يكون لديه خبرة بحثية لمدة أربع سنوات تؤهله لأن يترقى لرتبة أستاذ مشارك، بمعنى أن الخبرة الإدارية ليس لها قيمة في التعيينات الإدارية في الجامعات. هذه الحقيقة عززت لدى بعض الأكاديميين الاعتقاد أن بمجرد حصولهم على الدكتوراه فإنه يصبح لديهم العصا السحرية التي تعالج كل المشكلات، وما علموا أن الدكتوراه تعني فقط القدرة على الاستقلالية البحثية فقط وليس بالضرورة أنها بديل للخبرة العملية. وسبق للدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- أن ذكر "كنت، ولا أزال، أرى أن شهادة الدكتوراه لا تعنى أن حاملها يمتاز عن غيره بالذكاء أو الفطنة أو النباهة، فضلا عن النبوغ أو العبقرية. كل ما تعنيه الشهادة أن الحاصل عليها يتمتع بقدر من الجَلَد وبإلمام بمبادئ البحث العلمي".
أعتقد أن الدكتور حمد آل الشيخ وزير التعليم أدرك هذه الحقيقة منذ توليه حقيبة التعليم عندما صرح خلال تدشينه ورشة عمل لقيادات التعليم الجامعي، والمؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني فمما قاله "قيمة الجامعات بحجم تأثيرها في مجتمعها وحل مشكلاته والرفع من المستوى الاقتصادي والتنموي للوطن". كما سبق له أن ذكر أن "رؤية 2030" تستهدف أن يكون المتخرج من منظومة التعليم صالحا من ناحية مهارته وكفاءته لأن يعمل في أي سوق عالمية، وأن يحمل شخصية المواطن العالمية والمهارات التي تجعله يتعايش مع القرن الـ21".
فركز على محورين رئيسين:
المحور الأول: جودة المخرجات، ما يؤهل الشباب للعمل ليس فقط في سوق العمل المحلية بل حتى العالمية. فمما يساعد على تحقيق هذه الغاية إعادة صياغة أولويات الجودة لدى الجامعات حيث تربط بشكل أكبر مع برامج التحول الوطني وتتحول من جودة ورق إلى جودة بشر. فوزير التعليم سبق له أن كان وكيلا لإحدى الجامعات ويدرك أهمية فهم الجودة بمفهومها العملي لا الورقي، فالجودة في الجامعات بحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتها ومخرجاتها. فمن المهم ردم الهوة بين البيئة الأكاديمية والعملية لأن المستفيد الأول من ذلك هو الطالب والتنمية بصورتها الشمولية. فالجامعات في حاجة إلى إعادة أنظمتها لتشجيع أعضائها على إيجاد التكامل مع القطاع الخاص بعيدا عن العوائق التي يحاول البعض فرضها، كما يمكن لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات المشاركة بإيجابية نحو تحقيق "رؤية المملكة 2030" سواء عبر تقديم أبحاث تسهم في دعم برامج التحول الوطني، أو عبر المشاركة في تقديم خدمات استشارية للجهات المرتبطة بتحقيق "الرؤية"، أو المشاركة الفعلية والفعالة مع القطاعات والمراكز الساعية لتحقيق "رؤية المملكة 2030". كما أن فهم متطلبات سوق العمل التي تدعم التنمية جزء من الأدوار التي على أعضاء هيئة التدريس المساهمة في تحقيقها. وفي الجانب الآخر هناك تقصير من بعض القائمين على برامج التحول الوطني من تحقيق الاستفادة من الأبحاث التي تقدمها الجامعات أو في دعوتها للمشاركة في تقديم حلول للتحديات التي تواجهها.
المحور الثاني الذي ذكره الوزير: أن "رؤية 2030" تستهدف أن يكون المتخرج يحمل شخصية المواطن العالمية والمهارات التي تجعله يتعايش مع القرن الـ21. فمن أجل تحقيق هذا الطموح نحتاج إلى أن تكون البيئة التعليمية داعمة له. فمثلا مسودة نظام الجامعات تفتقد لائحتها دعم تعزيز الهوية الوطنية، وقد سبق لي الحديث حول هذا المحور في مقال سابق بعنوان: "وقفات مع نظام الجامعات الجديد 4"، "الوقفة الثامنة"، كما سبق أن ذكرت في مقال آخر بعنوان: "مركز الوعي الفكري والتطلعات" أن من المؤسف أن برنامج التحول الوطني 2020 المرتبط بوزارة التعليم لم يتناول الإشارة إلى مدى إسهام وزارة التعليم في تعزيز المواطنة الصالحة مع أن الوزارة لديها الأدوات والأرضية التي تستطيع من خلالها تفعيل المواطنة الصالحة وتحصن الشباب والأطفال فكريا.

إنشرها