default Author

المواطنة ودعم النمو الاقتصادي «2 من 3»

|


في البلدان قيد الاستعمار، كانت قوانين المواطنة تنتقل إليها عموما من القوة الاستعمارية "دراسة Bertocchi and Strozzi 2010"، وبينما يصعب عادة الحصول على الجنسية أو جواز سفر ثان في البلدان ذات الهوية القومية القوية، كالصين ومصر واليابان، نجد أن بلدانا أخرى ولا سيما بلدان نصف الكرة الغربي الجديدة تيسر عموما إجراءات اكتساب الجنسية.
وهناك عديد من البلدان الإفريقية، التي تشكلت على أيدي القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية والبرتغالية، كانت تفتقر إلى اللحمة الوطنية. ولدى استقلالها، تم تعديل قوانين الجنسية فيها: فالتزمت في بادئ الأمر معظم المستعمرات الفرنسية سابقا بقانون رابطة الأرض؛ واتجهت المستعمرات البريطانية والبرتغالية سابقا إلى التحول إلى قانون رابطة الدم، مدفوعة في ذلك باعتبارات عرقية. ولأن كثيرا من هذه البلدان تشكلت على نحو مصطنع دون مراعاة للتنوع العرقي الداخلي، ما أدى إلى انعدام الاستقرار السياسي فيها، كان التصور السائد أن قانون رابطة الدم سيعزز الهوية القومية.
وكان هذا هو الحال في سيراليون، على سبيل المثال، حيث اقتصر دستور عام 1961 حق المواطنة على انتقاله بالنسب، وفقط لأولئك المولودين لآباء وأجداد من الأفارقة السود. ولكن في ظل بيئة عرقية غير متجانسة اتسمت بالهجرة القسرية، استبعد قانون المواطنة مجموعات عرقية وقبلية متنوعة، وهو ما أدى إلى الانعزالية والصراعات، خاصة في سياق ضعف المؤسسات. ونص دستور الكونغو لعام 1964، مثلا، في إطار السعي لاستبعاد المهاجرين الروانديين، على الاعتراف بحق المواطنة فقط لأولئك المولودين لآباء من مجموعات قبلية تشكلت في الأراضي الإقليمية قبل عام 1908 "دراسة Bertocchi and Strozzi 2010" وترتب على ذلك، كما كان متوقعا، تهميش جماعات معينة من السكان وفي بعض الحالات أوجد مجموعات من الأفراد عديمي الجنسية فعليا تحولوا لاحقا إلى متمردين.
لكن كيف تؤثر حقوق المواطنة في التنمية الاقتصادية؟ يوجد فرق هائل في متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين الاقتصادات النامية التي تعتمد قانون رابطة الأرض وتلك التي تعتمد قانون رابطة الدم.
ومع فصل بلدان التي لا تعتمد قانون رابطة الأرض وتلك التي تعتمد قانون رابطة الدم يتأكد لنا أن بلدان رابطة الأرض أغنى، وإن كان لا يوجد نمط واضح لدى مقارنة بلدان النظم المختلطة مع البلدان التي تعتمد قانون رابطة الدم. ما السبب إذن في هذا الاختلاف؟
يمكن اعتبار قوانين المواطنة كمؤسسات لحل النزاعات أو مؤسسات مولدة لها. فإن كانت ذات طابع شمولي، يمكنها توفير رأس المال الاجتماعي الإيجابي، فترفع بذلك مستوى الثقة وتخفض تكاليف المعاملات وتحد من احتمالات وقوع النزاعات وتخفف من حدتها حال وقوعها. ويصدق هذا الأمر بصفة خاصة عندما تفتقر مؤسسات تسوية النزاعات لقوة الإنفاذ، على سبيل المثال، عندما تتسم الحكومة بالفساد أو يتسم النظام القضائي بالضعف، كما هو الحال في معظم الاقتصادات النامية. ومن حيث المبدأ، نجد أن قانون رابطة الدم يزيد من صعوبة الاندماج وبالتالي يلحق الضرر بالتنمية الاقتصادية.
وذلك من خلال عدة قنوات:
تشويه الاستثمارات أو الحد منها: فالمستثمرون الذين تقل فرص حصولهم على جنسية البلد تكون آفاقهم الزمنية أقصر، ويتحسبون لفرط الانكشاف للمخاطر في هذا البلد، ويزداد شعورهم بالقلق في فترات الانتخابات فهم أكثر عرضة للمخاطر في البلدان ذات المؤسسات الضعيفة. إضافة إلى ذلك، فإن قراراتهم الاستثمارية تصبح مشوهة. فإذا لم تتمتع حقوق ملكية الأفراد بالحماية الكافية لأنهم لا يتمتعون بجنسية البلد المعني، سينصب تركيزهم على الاستثمار الذي يحقق عائدا سريعا أو يتطلب رؤوس أموال محدودة. ففي كمبوديا ومدغشقر، على سبيل المثال، لا يحق للأجانب شراء الأراضي، الأمر الذي يشكل قيدا على الاستثمار.
عدم الاستقرار السياسي والفساد: الأقليات التي لا تتمتع بالجنسية هي في الأغلب على طرفي نقيض فإما أنها مستبعدة من الحياة الاقتصادية أو أنها تقوم بدور كبير غير متناسب في الاقتصاد المحلي. ومن دون الجنسية، لا يحق للأقليات المهمشة التصويت أو التأثير في الحياة العامة من خلال الوسائل الديمقراطية. ومن ثم فإن التظاهرات أو أعمال العنف تصبح إحدى الطرق التي تلجأ إليها الجماعات المحرومة من حقوقها لجذب الانتباه إليها. وقد يحفز ذلك الحكومات على قمع هذه الأقليات، الأمر الذي يمكن أن تترتب عليه زيادة الإنفاق على الأغراض العسكرية وإضعاف النمو... يتبع.

إنشرها