Author

تثبيت أسعار الفائدة لتحريك الاقتصادات

|


كما كان متوقعا، تتجه البنوك المركزية العالمية إلى تثبيت مستويات الفائدة لديها، وسط تباطؤ اقتصادي عالمي حذرت منه المؤسسات الدولية في كل المناسبات، ولا سيما صندوق النقد الدولي. وهذا الأخير يرى بالفعل أن تثبيت الفائدة يشكل بحد ذاته خطوة حكيمة وواقعية في ضوء الحالة الاقتصادية العامة. وسياسة تثبيت الفائدة ليست جديدة، بل هي حاضرة على الساحة، خصوصا في أوقات الأزمات الاقتصادية. في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008، استقرت بعض نسب الفائدة في البلدان الكبرى عند مستوى الصفر، على أمل أن يساعد هذا على إعادة تحريك الاقتصادات، واحتواء ما أمكن من تداعيات الأزمة المذكورة. والحال ليس كذلك عندما يكون النمو الاقتصادي العالمي كبيرا.
ولعل القرار الأخير للمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" بتثبيت الفائدة، يمثل أكبر إشارة إلى ضرورة الالتزام بهذه السياسة، بل لاقى إشادة من صندوق النقد الدولي، الهيئة التي تؤكد مرارا هشاشة النمو الاقتصادي العالمي، وتدعو دائما إلى عدم تعقيد الأمور برفع الفائدة. فما يريده الصندوق الحفاظ على المستوى الراهن للنمو، على الرغم من أنه منخفض. والخوف هنا لا ينحصر فقط في التأثيرات السلبية لرفع الفائدة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، بل أيضا في التأثيرات المشابهة التي تأتي في خطوات مماثلة من دول أخرى مؤثرة في القرار الاقتصادي الدولي. فالبنوك المركزية الأوروبية أبقت على مستويات الفائدة لديها للأسباب نفسها، باستثناء البنك النرويجي الذي رفعها قليلا من أجل خفض مستويات التضخم في البلاد.
والحال نفسه في دول آسيا وأمريكا اللاتينية، التي ترى أنه من الأفضل التريث في رفع الفائدة، والالتزام بسياسة هادئة قدر المستطاع في هذا الشأن. ومهما كانت الحجج التي يسوقها بعض المسؤولين في عدد من البنوك المركزية لضرورة رفع الفائدة، فإنها لا تمثل قيمة حقيقية عند قراءة المشهد الاقتصادي في هذا البلد أو ذاك. ففي بريطانيا مثلا، يتمتع بنك إنجلترا المركزي باستقلالية عن الحكومة، ويعرف عنه أنه لا يتسرع في رفع الفائدة، خصوصا في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، حيث تشهد عملية خروج مؤلمة للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وما قد يترتب عليها من تباطؤ للاقتصاد البريطاني. ولذلك، يمكن اعتبار سياسة الصبر والتريث الأفضل حاليا على صعيد الفائدة في البلدان التي تمثل محاور رئيسة في الاقتصاد العالمي بشكل عام.
النظرة السلبية للاقتصاد العالمي لا تزال الحاضر الأول على الساحة، ولم تحدث أي نقلة نوعية على صعيد النمو منذ سنوات، في حين يعيش العالم أزمات تجارية متعددة، رغم أن الأزمة الراهنة بين الولايات المتحدة والصين تشهد بعض الانفراج في ظل المحادثات المكثفة بين الجانبين. ومهما يكن من أمر، فإن الإبقاء على أسعار الفائدة على ما هي عليه، يضيف دفعة جديدة للحكومات المختلفة للوصول باقتصادات بلادها إلى المستويات المقبولة، ولا سيما على صعيد النمو. فالتباطؤ الاقتصادي ضرب حتى الانتهاء الفعلي من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وتحاول المؤسسات الدولية "مثل صندوق النقد وغيره" أن تحافظ على التوازن الراهن قدر الإمكان.
فالعالم ليس في وضع يمكنه من تحمل أزمات جديدة، خصوصا في ظل المعارك التجارية الحالية، وفي ضوء المفهوم الاقتصادي الأمريكي الراهن.

إنشرها