FINANCIAL TIMES

مخاوف من انتقال عدوى الأرجنتين إلى غانا تزعج الأسواق

 مخاوف من انتقال عدوى الأرجنتين إلى غانا تزعج الأسواق

لا بد أن محافظي البنك المركزي في أكرا، عاصمة غانا، قد شعروا بالضغط في الشهر الماضي، في الوقت الذي خاطروا فيه باتخاذ مكان مخز في التاريخ المالي، بجانب أقرانهم في الأرجنتين.
في كانون الثاني (يناير) 2018، قرر البنك المركزي الأرجنتيني خفض أسعار الفائدة بنحو 75 نقطة أساس إلى 27.25 في المائة، على الرغم من أن معدل التضخم كان يبلغ نحو 25 في المائة.
أثارت تلك الخطوة التي ينظر إليها على نطاق واسع أنها كانت سابقة لأوانها، قلق المستثمرين وبدأت دوامة دفعت البيزو إلى خسارة أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار، وتصاعد التضخم إلى 48.9 في المائة، وارتفعت أسعار الفائدة إلى 60 في المائة، في محاولة لوقف انخفاض العملة أكثر.
الأمور بعيدة عن ذلك السوء، على الأقل حتى الآن، في ثاني أكبر اقتصاد في غربي إفريقيا.
مع ذلك، هبطت عملة غانا السيدي، بنسبة 9.8 في المائة إلى أدنى مستوى اسمي على الإطلاق مقابل الدولار، منذ أن فاجأ البنك المركزي الأسواق بخفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس إلى 16 في المائة في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي، ما يجعل السيدي العملة الأسوأ أداء هذا العام من 140 عملة رصدتها وكالة بلومبيرج.
قال ديلان سميث، محلل في بنك جولدمان ساكس "على الرغم من الضغط على السيدي، عمل بنك غانا على تيسير شروط التمويل المحلي. واختيار سياسة لجنة السياسة النقدية كشف عن تفضيل دعم النشاط المحلي على الحماية من الثغرات الخارجية - في الوقت الحالي".
لكي نكون منصفين إزاء بنك غانا المركزي، قد يبدو قراره بتخفيض أسعار الفائدة سليما، وانخفض التضخم من 19 في المائة إلى أدنى مستوى في ست سنوات بنسبة 9 في المائة، ضمن النطاق المستهدف للمصرف وهو 8 في المائة، زائد أو ناقص نقطتين مئويتين (كهامش للخطأ)، كان من المتوقع أن يظل تحت السيطرة.
وحتى مع خفض سعر الفائدة، كانت أسعار الفائدة الحقيقية لا تزال مرتفعة بنسبة 7 في المائة، من بين الأعلى في أسواق التخوم.
قالت لجنة السياسة النقدية إن "المخاطر المباشرة على مسار الانكماش تحت السيطرة بشكل جيد" وتوقعات التضخم "ثابتة جدا"، لذا فقد شهدت "مجالا لتحويل بعض مكاسب الاستقرار الكلي إلى الاقتصاد" من خلال تخفيف أسعار الفائدة قصيرة الأجل.
قال تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في "رينيسانسكابيتال"، وهو مصرف استثماري يركز على الأسواق الناشئة "نحن متعاطفون مع جهود بنك غانا المركزي لإيجاد المستوى المقبول لأسعار الفائدة بالنسبة للتضخم".
كانت هذه خطوة لا تبدو متهورة، إلا أنها كانت غير متوقعة .. قد يكون المستثمرون قلقين بشأن الالتزام بمكافحة التضخم، على غرار الأرجنتين".
وقال سميث إن قرار البنك المركزي يعكس "مفاضلة صعبة بين تيسير الشروط المالية المحلية المشددة، والحفاظ على جاذبية الأصول المحلية للمستثمرين الأجانب".
لسوء حظ غانا، أنها أكثر عرضة للانكشاف من غيرها أمام المشاعر في العواصم المالية العالمية.
يمتلك المستثمرون الأجانب حاليا 30.6 في المائة من السندات بالعملة المحلية في غانا، وهي واحدة من أعلى معدلات الملكية الأجنبية بين الدول الناشئة والجديدة. يمكن سحب كثير من الأموال إذا فقدوا الثقة في التزام بنك غانا المركزي بمعالجة التضخم.
وقال روبرتسون، الذي أشار إلى أن الدين الحكومي كان يعادل نحو 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، كما أن المستثمرين الأجانب "قد يخشون من أن البنك المركزي قد خفض أسعار الفائدة، لخفض تكاليف الاقتراض وأنه يخاطر برفع التضخم، بالتالي".
مع ذلك، لا يعتقد الجميع أن بنك غانا المركزي كان هو السبب في عمليات بيع السيدي. أشار فيكتور ياو أسانتي، رئيس الأعمال المصرفية والتجارية والاستثمارية في بنك فيرست ناشيونال غانا، بدلا من ذلك إلى اختلال مؤقت في العرض والطلب، في سوق العملات الأجنبية.
وقال أسانتي إن الانتهاء الوشيك لبرنامج صندوق النقد الدولي للتمويل، الذي انخرطت فيه غانا في 2015، في أعقاب سلسلة من التجاوزات في الموازنة، دفع بعض المستثمرين الأجانب إلى بيع ممتلكاتهم من السندات المقومة بالسيدي.
تزامن ذلك مع الطلب الموسمي على الدولار من المستوردين الغانيين، الذين يتلقون الآن فواتير البضائع المستوردة في الفترة التي سبقت عيد الميلاد. على الرغم من أن هذا يحدث كل عام، سرّع المستوردون عمليات شرائهم.
قال أسانتي، الذي كان ينتقد البنك المركزي لعدم توقعه النقص في عرض الدولار "عندما يرى الناس اندفاع قيمة الدولار وضعف السيدي، فإنهم يعرضون مقتنياتهم من الناس الدولار".
كما يعتقد روبرتسون أن الخروج الوشيك لصندوق النقد الدولي ربما أزعج بعض المستثمرين. وقال إن غانا لديها سجل مالي "فظيع " في سنوات الانتخابات في 2008 و2012 و2016، ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة في عام 2020، فإن القرار الأخير بعدم رفع أسعار الكهرباء "على الرغم من أن جميع مرافق الطاقة تطالب برفع الأسعار"، قد يتم تفسيره من قبل بعضهم على أنه علامة على أن نمط الأربع سنوات، يمكن أن يعيد نفسه.
أحد المخاطر الواضحة هو أن انخفاض عملة يؤدي إلى إشعال التضخم. أظهرت بيانات شباط (فبراير) الماضي، زيادة متواضعة إلى 9.2 في المائة، ما يشير إلى درجة من الاجتياز المبكر من العملة.
وقال أسانتي إن التضخم قد يرتفع إلى ما بين 10 و11 في المائة على المدى القريب.
في هذه المرحلة، يرى معظم المراقبين احتمالا ضئيلا لوقوع كارثة مثل الأرجنتين.
كان أسانتي واثقا من أن بنك غانا المركزي دخل بشكل متأخر في وضع كان من شأنه أن يتيح له تزويد السوق بسيولة كافية من الدولار.
وقال إنه ينبغي الانتهاء من سد ثغرات ترتيبات تمويل يراوح بين 500 مليون دولار إلى 750 مليون دولار، مع مجموعة من المصارف بنهاية هذا الشهر، في حين ينبغي أن يكون مجلس غانا للكاكاو، مؤسسة التسويق الحكومية، قادرا على سحب 300 مليون دولار مقابل محصول هذا العام.
كما تتولى المصارف، التي تقف وراء سد ثغرات التمويل تسويق سندات أوروبية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مع وجود وفد غاني يجول في بوسطن ونيويورك ولندن لقياس الرغبات.
أسانتي كان يأمل أيضا في زيادة في إنتاج النفط، وهو صادر رئيسي إلى جانب الكاكاو والذهب، بعد أن قالت شركة تولوأويل البريطانية إنها تخطط لزيادة الإنتاج هذا العام، ما يساعد على دعم الحساب الجاري.
وقال "يجب أن يتوقف نزيف (السيدي) في الأسبوعين المقبلين، وبعد استقراره، يجب أن يكون هناك بعض الانتعاش".
جادل روبرتسون على شاكلة أسانتي، بأن الفرق الحاسم بين مصاعب غانا والأرجنتين هو أن البيزو كان "مغالا في قيمته بشكل فظيع"، عندما فوجئت الأسواق بقرار البنك المركزي. في المقابل، فإن السيدي هو ثاني أرخص عملة في إفريقيا، خلف الدينار التونسي مباشرة، استنادا إلى نموذج سعر الصرف الحقيقي الفعال لـ"رينيسانسكابيتال"، إذ يبلغ 70 في المائة من قيمته في الأجل الطويل.
وقال سميث إن نماذج بنك جولدمان تشير أيضا إلى أن السيدي مقوم بأقل من قيمته الحقيقية، في الوقت الذي تسير فيه غانا على طريق تعزيز احتياطاتها، التي بلغت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي سبعة مليارات دولار فحسب، أي ما يعادل 3.6 أشهر من تغطية الواردات، واهتمام المستثمرين "قد يستأنف نظرا لأن عائدات غانا المحلية المرتفعة تبدو أكثر جاذبية للمستثمرين في ظل أسعار صرف أقل".
على افتراض إيقاف بنك غانا المركزي مؤقتا لدورة التيسير حتى منتصف العام، قبل أن يتخذ قرارا نهائيا بتخفيضين إضافيين يبلغان 100 نقطة أساس في وقت لاحق من عام 2019، وقبل استمرار ظروف السوق العالمية الحالية، كان الاعتقاد احتمال استقرار السيدي.
من أجل المساعدة في تجنب مخاطر النكبات، التي تقع في المستقبل على غرار الأرجنتين، طلب روبرتسون من البنك المركزي في غانا البدء في تقديم بعض التوجيهات المستقبلية بشأن أسعار الفائدة، ومن الحكومة النظر في التفاوض على ترتيب احتياطي مع صندوق النقد الدولي.
وقال "حتى لو لم يكن هناك تمويل، فإن مراقبة صندوق النقد الدولي، ستكون ذات قيمة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES