Author

فرص نمو الوظائف أمام المواطنين

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

على الرغم من تعدد وتنوع فرص نمو التوطين في سوق العمل المحلية بشكل عام، والقطاع الخاص على وجه الخصوص، إلا أن أيا من ذلك لم يحدث بالصورة الملموسة والمأمولة حتى تاريخه، ففي الوقت الذي سجل الاقتصاد الوطني نموا حقيقيا خلال العام الماضي بنحو 2.3 في المائة، ونمو القطاع الخاص للعام نفسه بنحو 3.1 في المائة، أظهرت بيانات سوق العمل نموا سلبيا لوظائف المواطنين في القطاع الخاص بنحو - 4.2 في المائة خلال العام نفسه، ونموا أقل سلبية على مستوى عموم سوق العمل المحلية بأكملها بنحو - 2.0 في المائة، نتيجة نمو وظائف المواطنين في القطاع الحكومي بنحو 0.9 في المائة.
يؤكد هذا التباين بين معدلات نمو الاقتصاد من جانب، ومن جانب آخر معدل نمو الوظائف بالنسبة للمواطنين والمواطنات، أن فرصا عديدة كان مفترضا أن تذهب لمصلحة نمو التوظيف، إما أنها تعطلت وإما لم تستغل كما يجب. والبحث في أسباب ذلك وضرورة معالجتها على وجه السرعة، هو صلب العمل والمسؤولية المشتركة بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة وممثلي منشآت القطاع الخاص، وأن تقوم مختلف تلك الجهات حكوميا وفي القطاع الخاص على التوجه فورا صوب تلك المعوقات، والعمل المشترك على تذليلها ومعالجتها كما يجب، وتحويلها إلى دعائم لنمو التوظيف لا أن تظل معيقة له.
أولا: يبدأ تحفيز فرص نمو الوظائف في القطاع الخاص من حيث توجد تلك المعوقات، وأول تلك المعوقات هو السيطرة المفرطة للعمالة الوافدة على مفاتيح القرار العليا في منشآت القطاع.
ثانيا: يزداد اندفاع تلك الفرص ونموها المطرد من حيث تنتهي معالجات عديد من التشوهات التي كانت كامنة في القطاع الخاص، وأول تلك التشوهات هو التستر التجاري وكل ما يتعلق به من نتائج سلبية تسبب وجوده فيها.
بالنسبة لمنطلق الحل الأول، المتعلق بضرورة التعامل بشكل مختلف تماما مع المستويات الوظيفية العليا في القطاع الخاص، التي عندها يجري اتخاذ القرار الأهم بالنسبة لمنشآت القطاع، ومن ضمن تلك القرارات هو التوطين من عدمه، فحينما يكون مثل هذا القرار بيد أو تحت سيطرة عمالة وافدة، فلا شك أنه سيواجه معوقات لا مجال لإنكارها من أي طرف، ولا شك أيضا أن أي قرارات أو إجراءات تتعلق بزيادة التوطين ستسقط عند أول مواجهة مع مثل تلك القيادات التنفيذية والعليا في القطاع الخاص، كما سيعد هدرا للوقت وللجهد أن تستمر الأجهزة الحكومية في إصدار وضخ مزيد من قرارات وبرامج التوطين، وتعلم أن من سيتلقى تلك القرارات والبرامج هم أنفسهم المستهدفون بتوطين وظائفهم "العمالة الوافدة"، وهنا يبرز الخلل الحقيقي في عملية التوطين، وأنها تعاني هي بعينها قصورا شديدا، تسبب في ضياع كثير من الفرص والجهود والأموال.
هذا يقتضي لمواجهته كما يجب، أن يتم العمل على: (1) تصميم برنامج توطين يستهدف توطين الوظائف حسب مستوياتها الإدارية العليا والتنفيذية، مع الأخذ في الحسبان مستويات الأجور، عوضا عن البرامج الراهنة التي تركز فقط على الكم أكثر من النوع، ولا تفرق بين الوظائف الملائمة ذات الجاذبية الكبرى بالنسبة للعمالة الوطنية، وغيرها من الوظائف الدنيا التي لا تحظى في الأصل بأي طلب من العمالة الوطنية. (2) تعديل آلية احتساب الرسوم على العمالة الوافدة ومرافقيها والتابعين، لتتحول إلى نسبة من الأجر المدفوع للعامل الوافد عوضا عن آليتها الراهنة كمبلغ ثابت، وقع تأثيره الأكبر في المستويات الدنيا للعمالة الوافدة، دون تأثير ملموس في العمالة ذات الأجور الأعلى.
سيؤدي البدء بتطبيق برامج توطين تتركز على الوظائف العليا وظيفيا ومن حيث الدخل، وربط رسوم العمالة الوافدة بمستويات الأجور المدفوعة لهم لا كمبالغ مقطوعة، إلى إحداث تصحيح كبير جدا على مستوى اتجاهات التوظيف في سوق العمل المحلية، وسينتج عنه تحول الضغط الأكبر على الوظائف العليا المطلوبة بدرجة أكبر من لدن العمالة الوطنية، عوضا عن كونها وفقا للأوضاع الراهنة في منأى عن أي ضغوط. ولتعلم الأهمية القصوى لما يتم الحديث عنه هنا، فوفقا لأحدث البيانات الرسمية المتوافرة، فنحن نتحدث عن أعلى من نحو 922 ألف وظيفة تشغلها العمالة الوافدة حتى نهاية 2018 ضمن تلك المستويات الإدارية، التي لا تزال في منأى عن سيطرة أي من برامج التوطين الراهنة، وهو العدد من الوظائف الملائمة التي تفوق 1.2 ضعف أعداد العاطلين عن العمل من المواطنين والمواطنات، وهو أيضا ما يفوق أهمية بما لا يقبل المقارنة أهمية التركيز على وظائف متدنية وظيفيا ومن حيث الأجور، وإن وصل عددها إلى نحو 6.0 ملايين وظيفة، كما تبين أحدث بيانات سوق العمل، التي لا تكاد تجد لها قبولا بأعلى من 1.0 في المائة من قبل الباحثين والباحثات عن عمل من المواطنين!
أما بالنسبة لمنطلق الحل الثاني، المتمثل في ضرورة استغلال المواقع التي ستخليها المنشآت المتورطة في جريمة التستر التجاري، بعد سقوطها المحتوم كنتيجة لتقدم البرنامج الوطني لمكافحة التستر، فبكل تأكيد سيحمل ذلك السقوط لمنشآت ولدت وتغذت على التستر التجاري، فرصا لا حصر لها لولادة آلاف المنشآت الوطنية لتحل محلها، وسيحمل أيضا طرد وترحيل مئات الآلاف من العمالة المتورطة مع تلك المنشآت المخالفة، ولادة مئات الآلاف من الوظائف الكريمة للمواطنين، وسيحمل توطيد استقرار الثروات الأموال محليا، وإعادة تدويرها في الاقتصاد الوطني عبر مختلف نشاطاته وأسواقه مزيدا من ممكنات استقراره ونموه. هذا عدا أن انخفاض وجود أعداد بالملايين من العمالة الوافدة غير الماهرة، والاكتفاء بوجود من يمتلك المهارات والخبرة العملية والكفاءة، سيسهم بشكل كبير في تخفيض حدة الازدحام الراهنة في المدن، والضغط الكبير على الخدمات والبنى التحتية، وفي رفع كفاءة الإنتاج المحلية، دون الخوف على جوانب الطلب الاستهلاكي المحلي، كون تلك الأعداد الهائلة من العمالة الوافدة متدنية الدخل لا تشكل وزنا كبيرا في ميزانه، بقدر ما أنها كانت تشكل أعباء إضافية وغير محتملة على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني.
ختاما؛ نحن بحاجة أكبر إلى سن رؤوس البرامج والقرارات الهادفة إلى التوطين، وهي الحاجة الأكبر من تعدد وكثرة تلك البرامج والقرارات، وأن يتم استغلال وتوظيف تلك الأدوات كما يجب، وهو العبرة أولا وآخرا، مقارنة بأي اعتبارات أخرى، ثبت لنا جميعا عبر تجاربنا العديدة والمتنوعة جدا طوال السنوات الأخيرة، أنها لم تحقق حتى أدنى نسب الإنجاز المأمولة، بل على العكس جاءت أغلبها عكسية تماما. والله ولي التوفيق.

إنشرها