Author

الحوكمة وحل مشكلة الإسكان

|


كان الحصول على سكن في المملكة يتم من خلال آلية منح الأرض وتقديم قرض حسن مسترد، وكانت هذه الآلية تتم عن طريق جهات متعددة من بينها وزارة الشؤون البلدية التي تعمل على تطوير المخططات السكنية ومنح الأراضي مجانا للمواطنين، ووزارة المالية من خلال صندوق التنمية العقارية تقوم بمنح القروض لتمويل البناء وتصل سنوات الاسترداد إلى 25 عاما، لكن هذه الآلية كانت تواجه مشكلات في الحوكمة وفي آليات اتخاذ القرار وفي تزامن منح الأرض مع القرض، ولهذا تعثرت هذه الآلية عندما انفصلت زمنيا ومكانيا آلية الإقراض عن آلية تملك الأرض، وهذا الخلل في الحوكمة أحدث ندرة مفاجئة في الأرض المتاحة للسكن، "بسبب تراخي عمليات التطوير والاحتكار المتصاعدة للأرض"، فأصبح بإمكان الشخص أن يحصل على قرض دون أن يتم منحه أرضا، أو تقلص المقدرة المالية للصندوق العقاري، ما أنتج قائمة انتظار طويلة جدا تمتد فتراتها إلى سنوات، ولأن السكن حاجة أساسية فقد يبحث عن آليات تمويل للبناء أو آليات لاقتراض الأرض، وبهذا دخلت مؤسسات التمويل في القطاع العقاري بقوة، لكن هذا التدخل رفع الأسعار بطريقة تجعل من المستحيل أن يكفي تمويل الصندوق العقاري لتغطية جميع تكاليف الحصول على السكن، وبهذا وصلنا إلى مرحلة فشل نموذج أرض وقرض، فكان لابد من إصلاح جوهري.
بدا الإصلاح من جانب الحكومة، حيث تم إنشاء هيئة للإسكان تحولت بعد ذلك إلى وزارة، ثم تم تحويل جميع الأراضي التي في عهدة وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى وزارة الإسكان، ثم نقل صندوق التنمية العقارية إلى إشراف وزارة الإسكان لتوحيد آليات القرار وتوجهاته، ثم أخيرا تم إنشاء الهيئة العامة للعقار، وجاءت حلول وزارة الإسكان من خلال التركيز على حل مشكلة الإسكان بنفسها مباشرة، وبأدواتها الخاصة ومن بينها بناء وتمليك الوحدات العقارية في مناطق سكنية خاصة معدة لذلك، وهذا هو المشروع الرئيس الذي ينتظره المجتمع وينتظر نتائجه باهتمام. وخلال مؤتمر "تمويل الإسكان في السعودية"، أشار وزير الإسكان إلى حجم المشاريع السكنية بالشراكة بين الوزارة والمطورين العقاريين، الذي بلغ 45 مشروعا تتوزع في مختلف المناطق. وهنا نجد الوزارة تقوم بجميع الأدوار من تطوير الأرض إلى البناء وتسليم الوحدة العقارية للمواطن، حيث يدفع أقساطا شهرية مقابل كل تلك التكاليف.
ومن الأدوات الأخرى التي بدأت تستخدمها وزارة الإسكان الدخول في آليات دعم تمويل شراء السكن، وهي آلية يقوم بها صندوق التنمية العقارية بدعم المواطن عند تسديد فوائد المصارف، ونقول دعما لأنه ليس إقراضا، وأشار صندوق التنمية العقارية إلى أن عدد المستفيدين ممن تم تمويلهم خلال كانون الثاني (يناير) الماضي من العام الجاري بلغ 9578 مستفيدا بقيمة بلغت 4.7 مليار ريال مبينا أن الصندوق يعتزم خدمة 165 ألف مستفيد خلال العام الجاري و480 ألف مواطن حتى عام 2020.
هذه الآليات جميعا جاءت من حل مشكلة الحوكمة الأساسية التي كانت تواجه الجهات الحكومية في مقابل مشكلة السكن، ومن الواضح جدا أن التحرك الذي تشهده السوق العقارية الآن جاء أيضا استجابة إلى هذه النماذج الجديدة لعملية اتخاذ القرار في الوزارة، وإذا استمرت الوزارة في هذا الاتجاه من العمل، فإن مشكلة السكن ستجد حلها قريبا، ودون أن تتأثر السوق العقارية سلبا بهذه الحلول، فيبدو أن نماذج الحوكمة الجديدة في الوزارة تراعي جميع أصحاب المصلحة، فلا تغلب جانبا على جانب آخر، وهنا تشارك في القرار والنجاح، فالمواطن يجد السكن، والمطور العقاري يجد مشتريا، والدولة تجد حقوقها مستردة.

إنشرها