Author

الملح في الصناعة

|


يمثل الملح أحد أثمن المركبات التي عرفها الإنسان، كما شاع استخدام لفظة الملح للدلالة على معاني جميلة مثل "ملح الأرض" و"الخبز والملح". وكلمة ملح باللغة الإنجليزية تأتي من الكلمة اللاتينية التي تعني معنى الراتب، حيث كان الناس يتلقون أجورهم ملحا. وعلى مر التاريخ استخدم الناس الملح لصنع الخبز، والأهم من ذلك استخدامه كمادة حافظة غذائية حيوية لمنع نمو البكتيريا على اللحم المقدد والأجبان.
وقد يكون ما لم يدركه القدماء عن الملح "كلوريد الصوديوم" هو مدى أهميته للحياة. فالملح موجود في الدم والعرق والعصارة الهضمية ولازم لإرسال الإشارات العصبية بشكل فعال. وفي الواقع أشارت دراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية إلى أن السكان الذين يعانون قلة تناول الملح تكون أعمارهم أقصر من غيرهم.
والملح موجود في جميع أنحاء العالم، وهو الصيغة المعدنية لكلوريد الصوديوم أو ما يعرف بالملح الصخري، وكذلك في مياه البحر والبحيرات الملحية. ويوجد الملح أحيانا على السطح، كما في بقايا البحار القديمة المجففة مثل مسطحات بونفيل الملحية الشهيرة في ولاية يوتا. كما يمكن استخراج الملح أيضا من قيعان البحور القديمة تحت الأرض. ويمكن استخراج الملح من مياه البحر أو مصادر المياه المالحة الأخرى بواسطة عملية التبخير.
ومنذ أوائل القرن الـ20 قامت شركات الإنتاج بإضافة اليود إلى ملح الطعام. وقد أدى هذا الاجتهاد الخاص وحده إلى حماية عدد لا حصر له من الأمهات الحوامل والأطفال من أمراض نقص اليود، التي تشكل السبب الرئيس للتخلف العقلي في العالم.
ويعد أوسع استخدام للملح اليوم هو نثره على الطرق السريعة لتحقيق السلامة أثناء الشتاء، حيث ينقذ ملح الطريق آلاف الأرواح وملايين الأموال من تكاليف الحوادث والإصابات والأنشطة الاقتصادية الضائعة كل عام. ووفقا لباحثين من جامعة ماركيت فإن حالات الحوادث والإصابات والتصادمات تقل بنسبة تزيد على 80 في المائة بفضل ملح الطريق. ووجدت دراسة أجرتها مؤسسة خاصة أن العواصف الثلجية يمكن أن تكلف الدول ما يصل إلى 700 مليون دولار في اليوم إلى أن يتم تنظيف الطرق.
ومثل البشر تسعى الحيوانات وراء الملح لأنه مادة غذائية أساسية. ومعظم الناس على دراية بقيام أصحاب المزارع باقتياد الماشية إلى مسطحات تترسب بها المعادن لتمارس الماشية لعق الملح من هذه المسطحات، ولكن معظمهم لا يدركون أن أصحاب المزارع يضيفون الملح للغذاء ليس فقط لأن الماشية تحتاج إليه لتحيا، ولكن أيضا لأنه يمكنهم من التحكم في كمية ما ستأكله الماشية على أساس مستوى الصوديوم في الطعام. فإذا تم تخفيض كمية الملح تأكل الماشية أكثر، وإذا زادت كمية الصوديوم تأكل الماشية أقل. وهذا لأن هناك نزعة غريزية لا تسمح إلا بتناول الكمية المناسبة من الملح.
كما يستخدم الملح لتهيئة المياه للحفاظ على مستويات الكلور في حدودها المناسبة في مجمعات المياه المالحة، ولإزالة رواسب الكالسيوم والمغنيسيوم من المياه المنزلية. وتسبب هذه الرواسب تكون الماء العسر الذي يشكل عبئا على الأجهزة والأنابيب، ويخفض الكفاءة ويزيد من تكاليف الإصلاح والاستبدال. ولا شك أن الملح سيظل أحد أهم مواردنا الأساسية.
وتهيمن الولايات المتحدة والصين على إنتاج الملح العالمي، حيث ينتجان معا 40 في المائة من ربع مليار طن من الملح ينتجه العالم كل عام.
ويستخدم منتجو الملح ثلاث تقنيات أساسية لإنتاج الملح الذي يستخدم في مجالات كثيرة. وقد خلفت المحيطات الجافة المدفونة الآن التي تعود إلى العصور الجيولوجية السحيقة عديدا من المناطق تحت الأرض والبحر على حد سواء، تحتوي على طبقات رسوبية ملحية مركزة يمكن أن تتجاوز سمكها 50 قدما. ولاستخراج الملح من هذه الترسبات الدفينة يتم استخدام تقنيتين؛ الأولى التعدين التقليدي من المناجم، حيث يتوجه العمال إلى باطن الأرض لاستخراج الملح من الصخور الصلبة، والثانية التعدين بالتذويب، حيث يتم ضخ المياه تحت الأرض لتذويب الملح الصلب، ومن ثم ضخ المحلول الملحي الناتج ونزع الماء منه ليتبلور الملح. أما التقنية الثالثة فتستخدم لاستخراج الملح من المحيطات والبحيرات المالحة، عبر حصاد بلورات الملح مثل ما يحصد المزارع محاصيل الخضراوات أو الحبوب. وعلى الترتيب السابق تعرف منتجات هذه التقنيات بالملح الصخري والملح المبخر "أو ملح الفراغ" والملح الشمسي "أو البحري".
ومن بين التقنيات الثلاث يعتمد معظم المنتجين حول العالم على تقنية إنتاج الملح الشمسي، لأنها أقل التقنيات المتاحة كلفة والأنسب للمناخ الجاف كثير الرياح. ولكن يتم أيضا استخراج كميات هائلة من الملح الصخري في المناجم التجارية الكبيرة، كما تستخدم الشركات الكيميائية كميات هائلة من الملح في شكل محلول ملحي غير متبلور إلى ملح جاف.
وتؤثر الاعتبارات اللوجيستية بشدة في قرارات اختيار مواقع المرافق، وهو الأمر الذي يؤثر بدوره بشكل كبير في حجم وحدات الإنتاج وهيكل صناعة الملح. وفي النهاية ليست حكومات الدول هي التي تنتج الملح، بل القطاع الخاص.

إنشرها