Author

بعض خصائص صناعة الصيدلانيات

|


تتركز مهام صناعة الصيدلانيات في تطوير واختراع وإنتاج وتسويق الأدوية. وقد شهدت هذه الصناعة تقدما تقنيا كبيرا خلال القرنين الماضي والحالي. وأصبحت صناعة الأدوية رافدا مهما من روافد النشاط الاقتصادي في عدد من الدول المتقدمة، كما أنها تلعب دورا رئيسا في أنشطة القطاع الصحي والتصدي للأمراض والأوبئة والحماية منها، ما أسهم في زيادة متوسط أعمار سكان العالم وحسن إنتاجية الأيدي العاملة. وتنتج شركات الأدوية عقاقير بعلامات تجارية من خلال تطويرها أو الحصول على رخص إنتاجها، كما تنشط كثيرا في صناعة الأدوية العامة التي انتهت فترات حماية حقوق اختراعها. تخضع مجالات إنتاج وتسويق الأدوية لكثير من الأنظمة التي تحدد مجالات استخدامها واستهلاكها وتسويقها وتطويرها وتسعيرها ومدد حماية حقوق اختراع منتجيها.
تتشكل صناعة الصيدلانيات من جزءين رئيسين هما معامل أو مختبرات تطوير واكتشاف وتجربة الأدوية، والثاني مصانع الأدوية التي تقوم بإنتاج العقاقير بعد تطويرها أو الحصول على رخص إنتاجها. وتوجد معامل تطوير الأدوية عادة في أماكن مختلفة عن أماكن المصانع ولكن قد تقع المصانع والمعامل جنبا إلى جنب. يتركز تطوير واكتشاف الأدوية في الشركات الكبيرة الرئيسة التي تخصص مبالغ طائلة لتطوير واكتشاف وتسويق الأدوية واللقاحات، وتملك معامل ومراكز أبحاث متخصصة، وتوظف كفاءات علمية متميزة، وتنتشر في أماكن متعددة. إضافة إلى ذلك توجد شركات صيدلانيات صغيرة لا تملك أدوية بعلامات تجارية لكنها تسعى في مجالات تطوير واكتشاف أدوية جديدة كما قد تنشط في الحصول على عقود أبحاث من الباطن لخدمة الشركات الرئيسة المطورة للأدوية. كما توجد شركات متخصصة في صناعة الأدوية العامة التي لا تحمل علامات تجارية معينة بعد فترة انتهاء حمايتها، ولا تملك هذه الشركات عادة معامل تطوير واكتشاف أدوية كما لا تخصص مبالغ كبيرة على الأبحاث.
تحظى أكبر 20 شركة صيدلانيات عالمية بنسبة كبيرة من مبيعات الأدوية على مستوى العالم، قد تصل إلى نصف المبيعات الإجمالية لسكان المعمورة. وتشكل الشركات الأمريكية وفي مقدمتها فايزر وجونسون آند جونسون أكثر من نصف مبيعات الشركات العالمية لصناعة الأدوية. ويعود جزء كبير من تركز الصناعة لإنفاق هذه الشركات على البحث والتطوير وتخصصها في مجالات الإنتاج والتسويق وضخامة حجمها. كما يعود أيضا إلى وجود مراكز علمية وجامعات متميزة في مجالات صناعة الأدوية والتصدي للأمراض في الدول التي تنشط فيها.
تمر عمليات اكتشاف وتطوير الأدوية واللقاحات بمراحل متعددة تستغرق فترات زمنية طويلة قد تتجاوز خمس أو حتى عشر سنوات. تبدأ عمليات التطوير بتجربة فعالية آلاف المركبات الكيميائية على مرض أو أعراض مرض معين، أو الوقاية منه، أو التعايش معه وتخفيف آثاره، أو تحسين الحياة البشرية. تستخدم الشركات الكبيرة مواردها وخبراتها في تحديد المواد الفعالة على حيوانات التجارب. وبعد غربلة طويلة للمركبات الكيميائية يتم اختيار المادة الفعالة، ثم تقوم الفرق الفنية بتطوير منتج آمن وفعال لهذه المادة. بعد ذلك تجرى التجارب على متطوعين من البشر حتى تثبت صلاحيته وفعاليته في العلاج أو الوقاية من الأمراض. تمر التجارب على البشر بعدة مراحل، حيث تتم التجارب في البداية على عينة صغيرة لتحديد الجرعات السليمة ثم تجرب الأدوية بعد ذلك على عينات أكبر. بعد انتهاء الشركات من عمليات التجارب العملية، يأتي دور الإدارات الحكومية المتخصصة في منح تراخيص إنتاج الأدوية وتحديد فعاليتها وأمانها التي تمحص جيدا نتائج الاختبارات والتجارب وقد تطلب مزيدا منها أو تقوم بها. تتحمل الشركات المطورة للأدوية تكاليف كبيرة لتطوير الأدوية قد تتجاوز المليار دولار للعقار الواحد في بعض الأحيان. تحاول الأنظمة الحاكمة للصناعة مساعدة الشركات على استرداد التكاليف من خلال منحها براءات اختراع وحقوقا حصرية لإنتاج وتسويق اكتشافاتها لمدد قد تصل إلى 20 عاما.
يتضح من طبيعة الصناعة أن القطاع الخاص مسؤول بشكل رئيس عن تطوير ونمو وتوسع قطاع الصيدلانيات. كما يتضح أن حجم الشركات، لا كثرتها، يحدد بدرجة كبيرة قدرتها على إجراء الأبحاث وتطوير صناعة الأدوية كما يحدد قدرة البلدان على المنافسة والقيمة المضافة في القطاع. إضافة إلى ذلك يتطلب تطوير صناعة الأدوية توافر الكفاءات العلمية المناسبة وتطور قطاعات أخرى مساندة لهذه الصناعة، ومن أبرزها أنشطة البحث العلمي وتطور الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة وتركيزها على الإبداع والتميز. يحدد الإنفاق على البحث والتطوير قدرة الصناعة على تطوير المنتجات ويحدد بدوره حجم القيمة المضافة للقطاع في الاقتصاد. يحتاج تقدم صناعة الأدوية أيضا إلى مؤسسات رسمية مساندة للقطاع تراقب وتنظم هذه الصناعة، وقادرة على صياغة الأنظمة التي تحمي مطوري العقاقير، وتوفر الدعم الضريبي وغير الضريبي، وتنظم أنشطتهم وأساليب الأبحاث التجارب، وتحمي المستهلكين في الوقت نفسه.

إنشرها