Author

التلوث الجوي العالمي ومواجهته

|


يتفاعل خطر التلوث الجوي على الصعيد العالمي يوما بعد يوم. وليس مبالغة لو قلنا: إنه يتصاعد على مدار الساعة. فالتقارير المختصة، ومعها الدراسات العلمية المتنوعة تثبت ذلك، ويصيح أصحابها بأصوات عالية محذرين من المخاطر الناجمة عن هذا التلوث. ورغم أن أغلب بلدان العالم تعترف بهذا الخطر وتبعاته، إلا أن بعضها لا يزال يشكك إلى درجة أنها تشير إلى أن ما يقال في هذا الخصوص مبالغ فيه، وأن البشر ليسوا مسؤولين عن هذا التلوث! ولا داعي لمثل هذه الحملات الداعية للعمل من أجل خفض المخاطر! بالطبع لمثل هذا الرفض أغراض سياسية، لكنها لا تخفي الحقيقة الماثلة على الأرض، ولا تقلل من فداحة التلوث الجوي الذي وصل في بعض المدن الكبرى إلى مستويات مدمرة حقا.
لا يمكن نفي الواقع الذي تظهره الأرقام الحقيقية. فـ «الأمم المتحدة» توصلت أخيرا إلى أن أكثر من 90 في المائة من سكان هذا العالم معرضون لخطر التلوث الجوي، وهذا التلوث "وفقا للمنظمة الدولية" يتسبب في وفاة أكثر من سبعة ملايين شخص سنويا، من مختلف الأعمار. كل هذا يجري وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري تتصاعد. صحيح أنها تراجعت في كثير من البلدان بسبب التزامها بالقوانين الخاصة بهذا الشأن، لكن الصحيح أيضا أنها ترفع في بلدان أخرى كبيرة. علما أن اتفاقية باريس للمناخ التي تم توقيعها قبل ثلاث سنوات تقريبا تسهم في التخفيف من حدة التلوث خصوصا في ظل دعمها من دول ذات تأثير حقيقي في الساحة الدولية.
وأحدث انسحاب الولايات المتحدة من هذه الاتفاقية ضربة في هذا المجال. فواشنطن تعتقد أن الإدارة الأمريكية السابقة أخطأت في التوقيع عليها، وتقف الإدارة الحالية حتى ضد تفسيرات مسؤولين فيها أن التلوث المناخي يتصاعد فعلا، والبشر هم المتسببون الرئيسون فيه! لكن الدول الأخرى يبدو أنها ماضية قدما نحو صعيد تحسين المناخ العالمي، عبر سلسلة من الإجراءات والقوانين التي تصون المناخ في الجو والبحر والبر. واعترفت الأمم المتحدة بهذا التقدم الذي يجري على الساحة، ولكنها تطالب بالطبع بمزيد من الإجراءات لوقف "النزيف المناخي" إن جاز القول. غير أن من الواضح على الساحة، أن وتيرة الأعمال عالميا تمضي قدما لمصلحة المناخ ككل، وفي سياق التلوث الجوي على وجه الخصوص.
ففي عدد كبير من المدن الكبرى باتت الحكومات تفرض ضرائب على التلوث، ووضعت معايير جديدة للمركبات في الشوارع بما يقلل من مساحة التلوث، بما في ذلك "محاربة" السيارات والمركبات القديمة التي تسبب نسب تلوث عالية. فالتلوث الجوي لا يقتل البشر فحسب، بل يتسبب في خسائر مادية كبيرة لأنظمة الرعاية الصحية. وتنطلق الحكومات الواعية في هذا المجال من مبدأ "الوقاية خير من العلاج". أي تخفيف التلوث وتوفير فواتير الرعاية الصحية، ناهيك عن ضمان حياة نسبة من البشر تتعرض بصورة مباشرة لهذا التلوث. وتقوم المنظمات التابعة لـ«الأمم المتحدة» المختصة بالمجال البيئي بدور محوري في هذا المجال، ليس فقط عن طريق المطالب بتقليل التلوث البيئي ككل، بل بتقديم أفضل الطرق لتحسين الأجواء المناخية، عن طريق سلسلة من الإرشادات العملية والعلمية لكل الأعمال والشركات والمؤسسات الإنتاجية، فضلا عن الأفراد الذين يمثلون بدورهم محورا رئيسا على صعيد تخريب أو حماية البيئة.

إنشرها