default Author

مريم وفاطمة

|

ليستا هاربتين ولا كبلتهما قوانين الأسرة ولا أحكام الدين ولا العادات والتقاليد بل منحتهما الانطلاقة، خرجتا من هناك من تلك العصور النيرة من تحت عباءة أبوين عالمين اعتنيا بهما حتى أصبحنا نعرفهما في عصرنا هذا، ونقف أمام إنجازاتهما بفخر واعتزاز، وكثير من دهشة ومزيد من حزن على حال من ملكتا زمام كل شيء إلا نفسيهما.
فمن هاتان الفتاتان؟
مريم امرأة نابغة وعالمة فلك مسلمة، عاشت في القرن العاشر الميلادي بمدينة حلب، سارت على خطى والدها الفلكي والجغرافي "كوشيار الجيلاني"، وقامت بتطوير الأسطرلاب أو "ذات الصفائح". وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد - وكأنها صورة للسماء بين يديك - اخترع الأسطرلاب قبلها، ولكنها عملت عليه وطورته بشكل مذهل بإضافتها خريطة للسماء على وجه الأسطرلاب!
لقد كان الأسطرلاب حاسوبا فلكيا وساعة جيب لعلماء الفلك في القرون الوسطى؛ فهو يحدد أماكن النجوم والشمس والقمر والمسافات بينها ويقدر الوقت في الليل والنهار بفضل جداول مبتكرة، طبعت على ظهره، وفي الإسلام أسهم في تحديد القبلة مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول وخروج رمضان بدقة.
أما فاطمة الفهري التي هاجرت مع والدها من القيروان في تونس إلى فاس في المغرب، كان والدها ثريا حرص على تعليمها هي وشقيقتها فتعلمت الفقه والحديث، ولازمها حنين للقيروان، وبعد وفاة والدها ورثت هي وشقيقتها ثروة طائلة، فكرت كثيرا كيف تنفقها وهداها تفكيرها إلى عمل يبقى لها ولعائلتها ذكرى وعمل خير على مر السنين؛ فقررت إعادة بناء جامع القرويين نسبة إلى موطنها القيروان
لم يكن مجرد جامع تقام فيه الصلوات بل جامع للعلم تقام فيه الدروس، وتشد إليه الرحال لتلقي العلوم المختلفة حتى تحول إلى جامعة القرويين لتصبح فاطمة الفهري أول من أسس جامعة في الإسلام، بل وفي العالم، وكان للجامعة الفضل في نشر الأرقام العربية لتصبح المعتمدة في أوروبا ومعظم بلدان العالم.
ومن قوة عزمها وحرصها على أن يكون عملها خالصا لوجه الله لا تشوبه شائبة أشرفت على إعادة بناء المسجد وتصميمه واشترت الأراضي المجاورة لتوسعته؛ فبني بدقة عالية وكأن أمهر المهندسين قام عليه، وعقدت العزم على ألا تأخذ ترابا أو مواد بناء من غير الأرض التي اشترتها بحر مالها، ونذرت فاطمة أن تصوم حتى يكتمل بناؤه وبعد 18 حصل لها ما تريد، لقبت بأم البنين لكثرة رعايتها لطلاب العلم، وشيدت أقدم مكتبة تحوي مخطوطات نادرة، تمت إعادة افتتاحها عام 2016.

إنشرها