Author

بريطانيا وإرهاب «حزب الله»

|
كاتب اقتصادي [email protected]


"حزب الله هو تهديد للدولة اللبنانية، للشعب اللبناني، وللمنطقة برمتها"
دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة

تأخرت بريطانيا كثيرا في خطوتها لوضع «حزب الله» اللبناني - الإيراني على قائمة الإرهاب الخاصة بها. الأمر لا يحتاج إلى هذا الوقت لكي تعرف لندن، ما يمثله هذا الحزب من مخاطر على الأمن والسلم الدوليين. حتى إن بريطانيا نفسها نالها إرهابه، ولكن الحكومات المتعاقبة عليه، تركت الأمر جانبا، أو لنقل عطلته، معتمدة على استراتيجية قديمة بائسة في تصنيف مثل هذه الميليشيات، وهي أن تضع الأجنحة العسكرية لهذه الميليشيات أو تلك في قائمة الإرهاب، وتترك الأجنحة السياسية لها خارجها! ولندن -كما عواصم العالم- تعرف أنه لا فرق بين جناحين في ميليشيا إرهابية واحدة، والأهم أن الجناح العسكري التخريبي لا يتحرك عمليا إلا بأوامر قيادته السياسية، إن استحقت فعلا التوصيف السياسي.
لا يوجد كيان نصفه إرهابي ونصفه الآخر غير ذلك. المصدر واحد، والممول واحد، والتخريب واحد، والأهداف واحدة. الذي يحدث هو تبادل أدوار لكنها مفضوحة دائما، لا تحتاج إلى خبراء أو أجهزة مخابرات للكشف عن طبيعتها. والولايات المتحدة، أكدت عشرات المرات خطورة «حزب الله» الإرهابي، وأثبتت عبر وثائق مدى خطورته هذه، وكشفت أسرارا فاضحة له، بما في ذلك مسؤوليته المباشرة عن إنتاج وتهريب المخدرات بكل أنواعها. هذه الميليشيا الإرهابية تحتل مكانة متقدمة جدا في هذه "الصناعة القاتلة"، وتغرق نصف بلدان العالم بمنتجاتها، بما في ذلك بريطانيا والبر الأوروبي كله. أي إن «حزب الله» ليس إرهابيا فحسب، بل مسؤولا عن نشر السموم حول العالم، لتأمين جانب من التمويل المالي لعملياته الإرهابية.
وهذا الجانب التمويلي يشترك فيه النظام الإرهابي الحاكم في إيران. وهذا الأخير يتبع أسلوب التمويل عبر المخدرات، كنوع من الإمدادات المالية لهذا الحزب، تضاف إلى تلك الآتية مباشرة له من الخزانة العامة الإيرانية نفسها. إيران التي صنعت «حزب الله»، تمنع عن شعبها حتى الحقوق المعيشية الأساسية. أي إنها تسرق من الشعب لتمويل ميليشيا إرهابية لا تتأخر عن تنفيذ أي عملية مهما كانت دناءتها من أجل تحقيق أهدافها. وهي أهداف أيضا معروفة للجميع، وأولهم بريطانيا نفسها، ترتبط مباشرة بنشر ما أمكن من الطائفية البغيضة هنا وهناك، وبتحقيق أوهام تصدير "الثورة" الإيرانية. إنها صادرات الشر والخراب. كل هذا يجري، في حين فضلت الحكومات البريطانية إبقاء "حزب الله" خارج نطاق قائمتها للإرهاب.
اليوم تغيرت الأمور بصورة كانت متوقعة، فبريطانيا تعتزم فعلا "كما أعلنت" حظر كل أجنحة هذا الحزب، مؤكدة أنها تقوم بذلك بسبب نفوذه المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط. مرة أخرى هل كان الأمر يتطلب هذا الزمن لمعرفة تلك الحقيقة؟ بالطبع لا. لكن يبدو أن الحكومة البريطانية لم تستطع مواصلة تلك السياسة الهلامية التي تقسم كيانا إجراميا بين إرهابي وسياسي! فالضغوط عليها كبيرة على الساحة الداخلية، والخراب الذي تسبب فيه في كل من العراق وسورية ولبنان والبحرين والكويت وغيرها، ظاهر على الساحة، وآثاره ستبقى لفترات طويلة. منذ سنوات طويلة، باتت مبررات "حزب الله" الإسرائيلية مثيرة للسخرية، ومع ذلك ضمنها في بيانه الذي استنكر فيه الخطوة البريطانية. هذا الحزب له مهمة واحدة لا غير، وهي نشر الفوضى والقتل والإرهاب والظلم في أرجاء المنطقة، بهدف تحقيق أوهام إيرانية قبيحة.
كانت بعض الحجج البريطانية "والأوروبية عموما" في عدم وضع "حزب الله" في قوائم الإرهاب، تتمحور حول حرص لندن والعواصم الأوروبية على علاقاتها مع لبنان، والإبقاء على التواصل مع الحكومة اللبنانية. لكن هذه الحجج تتسم بالفعل بأنها بائسة. فقد وجد البريطانيون أنفسهم أنها حجج لا تستند إلى الواقع، بدليل ما قاله جيرمي هانت وزير الخارجية في أعقاب الإعلان البريطاني التاريخي هذا إن "دعم بريطانيا لاستقرار ورخاء لبنان لن يتوقف بالطبع، وإن هذا الإجراء لن يغير التزامنا الحالي تجاه لبنان". أي إن لندن احتاجت إلى عقدين من الزمن على الأقل، للوصول إلى هذا الاستنتاج، وهو كما يعرف الجميع متاح منذ زمن، لمن يريد أن يغير بالفعل من مواقفه من حزب بهذا المستوى من الإرهاب والخراب.
تأخرت أوروبا بشكل عام "ولا تزال" في التعاطي مع "حزب الله" ككيان كامل من الجانب الإرهابي، تماما كما هي متأخرة حاليا في الوقوف اقتصاديا بوجه نظام علي خامنئي في إيران. لكن الخطوة البريطانية طرحت إمكانية أن تحذو بقية البلدان المترددة حذوها. المبررات السابقة باتت ذات قيمة، والفصل بين الإرهابي والسياسي صار مادة للسخرية وصلت حتى إلى رسامي الكاريكاتير في الصحف الغربية كلها. فالإرهاب هو كذلك بصرف النظر عن الأجنحة التي يملكها، وقصقصة الأجنحة كلها يجب أن تكون هدفا، إذا ما أراد العالم كله أن يتخلص من ميليشيا نال خرابها هذا العالم.

إنشرها