Author

العملات الناشئة والحرب التجارية

|


هناك عوامل كثيرة لإمكانية أن تحقق عملات الاقتصادات الناشئة تفوقا على الدولار في العام الجاري. كما أن هناك مؤشرات واضحة، وأخرى ملتبسة في هذا المجال، إلا أن الاتجاه العام يشير إلى هذا التقدم في الأشهر المقبلة. ولا شك أن اقتصادات البلدان الناشئة حققت بعض التقدم في العام الماضي، لكنه أيضا ليس تقدما يوفر أرضية صلبة لعودة هذه الاقتصادات إلى التحليق مجددا. ولكن في النهاية تبقى عملاتها تشهد تماسكا في هذه الأيام، خصوصا في ظل التقدم الواضح للمفاوضات الجارية حاليا بين الولايات المتحدة والصين، لإنهاء حرب تجارية نشبت بينهما، نتيجة فرض رسوم جمركية أكبر على واردات كل منهما من بعضهما بعضا. ويبدو واضحا أيضا أن واشنطن وبكين تريدان التوصل لهذا الاتفاق، ومن أجل ذلك تدعم الولايات المتحدة إمكانية تمديد أمد المفاوضات، إذا ما تطلب الأمر ذلك.
من العوامل الأهم لإمكانية تفوق عملات البلدان الناشئة على الدولار، أن الأخير يعاني ضعفا بالفعل، فضلا عن السياسة الأمريكية التي تفضل إبقاء سعر الفائدة على الدولار منخفضا، ما يقلل من جاذبية هذه العملة على المدى المتوسط. ومن هنا، يرى بعض الخبراء، أن إمكانية تقدم العملات الناشئة، لا بد أنه يستند إلى ضعف الدولار أكثر من قوة اقتصادات البلدان نفسها. فالصين مثلا تعاني انخفاض مستويات النمو لديها في الوقت الراهن. صحيح أنها يمكن أن تتقدم في هذا المجال لاحقا إذا ما تم التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، لكن الصحيح أيضا أنه لن يرتفع النمو بالصورة التي تتمناها الحكومة الصينية ولا نطاق الأعمال في هذا البلد. دون أن ننسى، تراجع الطلب الصيني على المنتجات والخدمات الآتية من الدول الناشئة، ما يزيد الضغط على هذه الدول.
لكن في المحصلة، سيدفع الاتفاق التجاري بين واشنطن والصين الأوضاع الاقتصادية الصينية إلى الأمام، وسيشهد الاقتصاد هناك انتعاشا ضروريا الآن أكثر من أي وقت مضى. ويبقى الأمر الأهم، أن تحسن أداء عملات الأسواق الناشئة، الذي يسند إلى ضعف الدولار مؤقتا في نظر البعض. أي أنه لن يكون غريبا أن تتراجع هذه العملات في فترة قصيرة، خصوصا إذا تحسن الأداء العام للعملة الأمريكية في المستقبل. في الفترة الماضية نمت قوة العملة الأمريكية نتيجة السياسات التي يتبعها الرئيس دونالد ترمب، غير أن هذا ليس من مصلحة الاقتصاد الأمريكي كما هو معروف. ومن هنا، فإن أي اتفاق بين الصين والولايات المتحدة سيحدد نطاقا ضيقا لارتفاع الدولار أو تحركه.
هناك كثير من الخطوات أمام البلدان الناشئة، وعلى رأسها أن يعود الطلب الصيني على الخدمات والمنتجات من هذه البلدان إلى ما كان عليه سابقا، الأمر الذي يتطلب مزيدا من الوقت، وكثيرا من الثقة بالاقتصادات الناشئة ذاتها. كما أن مسألة استقرار الأوضاع السياسية في هذه الدول تبقى محورية على هذا الصعيد، علما أن المؤشرات تدل كلها على ضمان مثل هذا الاستقرار في الأشهر المتبقية من العام الجاري. قبل أيام فقد الدولار 0.1 في المائة من قيمته أمام 16 عملة ناشئة، بل خسر 1.2 في المائة من قيمته أمام الراند الجنوب إفريقي. إلا أنها خسائر طبيعية في هذا الوقت بالذات. فكل الأمور مرتبطة الآن بمدى نجاح الأمريكيين والصينيين في التوصل إلى اتفاق تجاري يمكن أن يدفع الحراك في البلدان الناشئة بقوة إلى الأمام في الفترة المقبلة.

إنشرها