Author

اطلبوا العلم بـ«الصينية»

|


سررت بمتابعة جولة ولي العهد الآسيوية التي شملت باكستان والهند والصين، وما تمخضت عنه هذه الجولة من بناء شراكات اقتصادية وثقافية وعلمية واعدة، سيكون لها مردود اقتصادي وثقافي على جميع الأطراف. ومن نتائج هذه الزيارة، قرار وزارة التعليم بإدخال اللغة الصينية في التعليم العام في المملكة. ولا شك أن الالتفات للشرق وحضاراته العريقة أمر في غاية الأهمية، بل تأخرت الدول العربية في الاهتمام بالشرق من الناحية الثقافية على وجه الخصوص على الرغم من استهلاكها كثيرا من منتجات دول شرق آسيا، سواء أكانت صناعية أم زراعية، وتزداد أهمية الانفتاح نحو الشرق أننا أمة مسالمة ومحبة للسلام في جميع أرجاء الأرض. وانطلاقا من ذلك، يأتي السعي لتعزيز الروابط مع الشرق كما هي مع الغرب، دون تمييز أو تحيز لطرف دون آخر.
وتتمتع الصين بقوة اقتصادية هائلة تنافس كثيرا من الدول المتقدمة، بل إنها تسلقت نحو القمة بخطوات ثابتة، لتصبح حاليا ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة متجاوزة بذلك اليابان ودول غرب أوروبا، بعد أن كانت الصين تتلقى مساعدات إنمائية من اليابان على مدى العقود الأربعة الماضية. كما أنها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان البالغ قرابة 1400 مليون نسمة، أي أن عدد سكانها يفوق سكان أوروبا وأمريكا مجتمعتين. وتحتل اللغة الصينية المرتبة الثانية من بين اللغات الأوسع انتشارا في العالم بعد اللغة الإنجليزية. ولا يقل عن ذلك أهمية ما تتميز به دول شرق آسيا من حضارات عريقة ضاربة في عمق التاريخ الإنساني. وعلاوة على ذلك، أصبحت الصين قوة صاعدة من المتوقع أن تنافس الولايات المتحدة خلال عقد من الزمن، خاصة أن الشركات الصينية تشكل تحديا كبيرا للشركات الأمريكية في مجال الهواتف الذكية ونحوها، علاوة على تزايد الاستثمارات الصينية في المنطقة العربية. ومن فوائد تعليم اللغة الصينية في التعليم العام: أنه سيسهم في تعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية بين الشعبين، السعودي والصيني، بما يحقق مستهدفات التعليم لـ"رؤية 2030"، ويدعم توجه المملكة في التركيز على التقنيات المتقدمة عموما، والذكاء الاصطناعي خصوصا، من خلال الاستفادة من البرامج التعليمية والمنح الدراسية في مجال التقنية والصناعة، إلى جانب الانفتاح على الثقافة والآداب الصينية العريقة، علاوة على جذب السياح الصينيين إلى المملكة العربية السعودية، خاصة أنهم يمثلون نسبة كبيرة من السياحة الدولية، إذ يربو عدد الرحلات الصينية السياحية خارج الصين على 130 مليونا سنويا. ولا شك أن استقطاب نسبة منهم لزيارة المملكة سيؤدي إلى إيجاد آلاف الوظائف، ما يدعم "رؤية المملكة" في تنويع مصادر الدخل، ومن ثم نمو الناتج المحلي الإجمالي.
لذلك حان الوقت أن تدخل اللغة الصينية ضمن مقررات التعليم العام في المملكة، مع ضرورة تحديد الجرعات المناسبة بما لا يثقل على التلاميذ أو يؤثر في تعلمهم للغتهم الأم، أما على مستوى التعليم الجامعي، فينبغي أن يكون التوسع في القبول في البرامج الأكاديمية مدروسا بناء على احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية، خشية تسابق الجامعات في ضخ فائض من الخريجين الذين لا يجدون لهم عملا. بناء عليه، أتمنى أن تأخذ اللغة الصينية في الجامعات مسارين هما: الأول أن يمنح الطالب الجامعي فرصة الاختيار بعد إتاحة مقررين أو أكثر كمقررات اختيارية، والمسار الآخر يتمثل في منح الشهادات الجامعية في اللغة الصينية وآدابها الذي ينبغي أن يقتصر على عدد محدود من الجامعات العريقة التي لديها برامج وخبرات سابقة وكافية.
أخيرا وباختصار، إن تعزيز التواصل بين شعوب الأرض في الشرق والغرب يدعم السلام العالمي والتعايش السلمي، ويزيد من رفاهية الشعوب ويدعم الاستقرار على المستوى العالمي.

إنشرها