Author

بنك ستاندرد تشارترد .. أبعاد الترخيص

|

على الرغم من وجود عدد من البنوك الأجنبية التي تعمل في المملكة من خلال فروع لها، لكن الترخيص لبنك "ستاندرد تشارترد" لقي اهتماما إعلاميا كبيرا، مع موافقة مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للبنك بفتح فرع له في المملكة، بلا شك أن بنك ستاندرد تشارترد يعد من البنوك المميزة أوروبيا وعالميا، وله فروع في أنحاء العالم، وهذا ما منح البنك هذه المساحة من الاهتمام، لكن من المعلوم أن الاقتصاد السعودي في مرحلته الحالية جاذب لأي بنك عالمي للاستفادة من الفرص التي يوفرها الاقتصاد السعودي حاليا، خاصة في مجالات التمويل، وبنك ستاندرد تشارترد هو أحد أفضل البنوك العالمية في التمويل والإقراض، وإذا كنا نشهد اليوم مساحات عمل واسعة في الاقتصاد السعودي ومنح فرص استثمارية من خلال مشاريع التخصيص، وتدشين برامج التطوير المختلفة من بينها برنامج تطوير الصناعة والخدمات اللوجستية، ودعم الصناعات التحويلية والتعدين، فإن سوق التمويل والإقراض في المملكة ستكون مزدهرة خلال العقود المقبلة.
لعل من المهم وضع تساؤل هنا عن النموذج الذي اختاره بنك ستاندرد تشارترد من حيث فتح فروع في السوق السعودية بدلا من الدخول في إنشاء بنوك محلية وشراكة مع مستثمرين محليين، يمكن القول هنا إن الاسم التجاري للبنك البريطاني يحظى بسمعة عالمية كبيرة، هو في حد ذاته يمثل أصلا مهما من الأصول غير الملموسة، ولعل البنك وجد من الأجدى استثمار اسمه التجاري في السوق السعودية بدلا من الدخول في تجربة اسم تجاري جديد، كما أن التطوير الذي شهدته الساحة التشريعية في المملكة فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، وحفظ الحقوق والتقاضي والتنفيذ والتحكيم جعل من عوائد الاستثمار المباشر عامل جذب، وهذا يدل على أن الإصلاحات التشريعية لجذب الاستثمارات الأجنبية قد آتت ثمارها على نحو جيد، وأن تكاليف دخول السوق السعودية قد انخفضت بشكل سيعزز من تنافسية المملكة ومركزها في المؤشرات العالمية.
وإذا كان قرار البنك البريطاني في الدخول للسوق السعودية واضحا، من حيث توافر فرص كبيرة للفوز بالأرباح وحصص من تمويل المشاريع وإقراض القطاع الخاص حتى الحكومي ممثلا في الصناديق الاستثمارية والسندات، لكن تبقى الفوائد التي سيجنيها الاقتصاد السعودي من فتح المجال للاستثمار الأجنبي في هذا المجال محل نقاش، هنا تجدر الإشارة إلى اتجاهات نمو الاقتصاد السعودي الإيجابية الحالية، وذلك على الرغم من أن معظم مشاريع "رؤية المملكة 2030" لم تزل في طورها الأول، وبعضها تم تدشينه قبل أشهر قليلة، لهذا فإن اتجاهات التمويل لهذه المشاريع ستضغط بقوة على سوق التمويل، خاصة تمويل الأفراد والقروض الاستهلاكية، وهي قروض تمويل مهمة للحفاظ على مستويات الطلب الفعالة، ولهذا فإن سوق المؤسسات التمويلية في حاجة إلى مزيد من المستثمرين بخبرات كبيرة في هذا المجال، ويأتي البنك البريطاني على رأس القائمة.
في الجانب الآخر من المعلوم أن تمويل الميزانية بالعجز من أكثر الوسائل التي تقود إلى تخفيض قدرات المؤسسات البنكية من تمويل الأفراد والمؤسسات الخاصة، وهي سياسة اقتصادية مشهورة من حيث توجه البنوك إلى الدفع بالسيولة نحو الحكومة التي تسيطر على النقد حينها، وتقنن توجهاته، ولهذا فإن تمويل الميزانية بالعجز قد لا يكون بسبب ضعف الإيرادات بقدر ما يكون –في أحيان أخرى– لسبب يتعلق بكبح التضخم. لكن في بعض الحالات ومنها الحالة السعودية اليوم فإن التمويل بالعجز ليس لأغراض كبح النمو، بل هو من أجل تمويل مشاريع رأسمالية كبرى، لكن لأن العجز له آثار في كبح النمو فإن معالجة هذا التأثير السلبي تتطلب نموا كبيرا في القطاع التمويلي، حيث يكون قادرا على تجنب تأثيرات تمويل المالية العامة وشراء سندات الحكومة، هنا تأتي الفوائد الاقتصادية الواضحة للترخيص للبنوك العالمية للعمل في السوق السعودية، وهذا يدل على بعد نظر المخطط السعودي، والأخذ في الحسبان جميع السيناريوهات التي يمكن أن يتجه الاقتصاد السعودي لها مع تقدم مشاريع "رؤية 2030".

إنشرها