Author

قمة عربية - أوروبية وواقع اقتصادي عالمي جديد

|


يمر العالم بتغيرات جيوسياسية كبيرة، خاصة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، وما تلاها من اضطرابات شديدة في السوق النفطية وأسعار الغذاء، وانتهت باضطرابات سياسية شهدها كثير من الدول العربية، فكل تلك الأحداث أفرزت وقائع جديدة، حيث تسببت الأوضاع السياسية المضطربة في كثير من الدول العربية، في هجرة واسعة تأثرت منها دول الاتحاد الأوروبي، وقادت إلى انقسامات جديدة داخل مجموعة الاتحاد، خاصة مع الاضطرابات التي أصابت اليونان، والتقلبات الشديدة في قيمة اليورو، وانتهت تلك الانقسامات بخروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي بمشروع "بريكست"، وهو ما سينعكس على أوروبا بكثير من الاختلالات في سوق العمل ومع ضغط الهجرة من الدول العربية، خاصة شمال إفريقيا على الاتحاد الأوروبي، لهذا فإن الضغوط ستتفاقم أكثر على دول الاتحاد. وإذا كانت دول مثل إيطاليا وإسبانيا تعاني اقتصاديا، فإن أي ضغوط جديدة قد تؤدي إلى عودة شبح التجربة اليونانية، من هنا تأخذ القمة العربية - الأوروبية قيمتها وأهميتها، فهناك اليوم حاجة إلى حوار جاد بين مجموعة جامعة الدول العربية ومجموعة الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد واقع اقتصادي عالمي جديد.
لعلنا نشير هنا إلى تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بشأن الدور الذي ستلعبه الدول العربية في الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي، وها هو الواقع اليوم يكرس هذا المفهوم، فالدول العربية ومن خلال القمة سيكون لها دور كبير في حل الأزمات الاقتصادية العالمية، وإذا استطعنا أن نوحد الجهود والموارد لمصلحة أمتنا العربية، مع الاستغلال الجيد للفرص، فإن رؤية المملكة في شرق أوسطي عربي جديد هي أقرب ما تكون من أي وقت مضى. وإذا كانت المملكة تقف على قمة اقتصاد الدول العربية مجتمعة وهي التي تحظى اليوم من بين جميع الدول بمقعد في قمة أكبر 20 دولة اقتصادية في العالم وتقود توازن الاقتصاد العالمي مع ما تلعبه من دور هائل في توازن أسواق النفط، فإن مشاركة خادم الحرمين الشريفين في هذه القمة العربية - الأوروبية مع تلك الرؤية الواسعة والطموحة للشرق الأوسط تجعل هذه القمة تاريخية للعالم الإسلامي والعربي بلا جدل.
فمشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، في هذه القمة، تعطيها الكثير من التفاؤل بالقدرة على الوصول إلى قرارات صحيحة وقوية وفعالة، وطالما كانت مشاركات المملكة عند هذا المستوى التمثيلي مشاركات تعد العالم بالكثير ويرتقبها العالم باهتمام واسع جدا، والشعوب العربية دائما تنظر إلى مشاركة خادم الحرمين الشريفين، بالكثير من الأمل في أن تكون القضايا العربية وهموم المواطن العربي هي محل الأولوية في النقاش، وعلى رأس تلك القضايا تأتي القضية العربية الأولى قضية الشعب الفلسطيني. من هنا فإن عنوان القمة يلخص جميع هذه المبادئ "في استقرارنا نستثمر"، فالبلاد العربية من الخليج إلى المحيط بحاجة ماسة إلى الاستقرار، وأوروبا بحاجة إلى الاستثمار، ولا يمكن تحقيق الثاني ما لم يتحقق الأول فكيف للعالم العربي أن يستمر في معاناته مع الاضطرابات التي توجدها حكومة الملالي في إيران وتربك كل الحلول التي تقودها المملكة من أجل استقرار الشعوب العربية من خلال ميليشيات تغذيها إيران في وجود سياسة غض الطرف من مجموعة الاتحاد الأوروبي، فالإصلاح الذي تشهده المنطقة العربية - الأوروبية يحتاج إلى تكاتف جميع الأطراف من أجل بناء الثقة بين الجميع ودعم الاستقرار المطلوب في الدول العربية الذي ستكون أهم ثماره تخفيف موجات الهجرة إلى أوروبا، ومن ثم يمكننا الانطلاق في عمليات استثمارية واسعة في جميع الأطراف، وتعزيز الاستثمار والتجارة والفرص الواعدة في مجالات عدة؛ كالطاقة والتكنولوجيا والزراعة والأسماك، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتطلب مزيدا من الاستثمارات من أجل تعويض فرص العمل التي فقدت وأيضا إيجاد أسواق جديدة ونقل المصانع بطريقة لا تؤثر في توازن الأسواق، وإذا كانت أوروبا تشاطر الدول العربية في البحر الأبيض المتوسط، فإن الحوار الجاد والعمل المثمر سينقلان هذه المنطقة المهمة في العالم إلى بناء قطب جديد في مواجهة الأقطاب الأخرى في أمريكا وإفريقيا وشرق آسيا.

إنشرها