الطاقة- المعادن

البلاديوم يتفوق على الذهب في 2019 .. مرشح لإحداث مفاجأة سعرية للأسواق

البلاديوم يتفوق على الذهب في 2019 .. مرشح لإحداث مفاجأة سعرية للأسواق

ينتمي معدن البلاديوم "الأبيض" إلى مجموعة المعادن البلاتينية، وهو مصطلح يستخدم لوصف السبائك ذات اللون الفاتح، حيث يمكنه مقاومة التآكل الكيميائي والحرارة الشديدة.
ويدخل البلاديوم ضمن فئة المعادن الثمينة، فهو أكثر ندرة 30 مرة من الذهب، وقد شهدت الأشهر الماضية ارتفاعا ملحوظا في أسعاره بصورة غير مسبوقة منذ سنوات.
فمنذ آب (أغسطس) الماضي، قفزت أسعار البلاديوم بنحو 50 في المائة، وتجاوز سعر الذهب لأول مرة منذ عام 2001، وقد ارتفعت أسعاره في وقت انخفضت فيه أسعار البلاتين بنحو 3.9 في المائة لتصل إلى 809.70 دولار للأونصة.
ويعد خبراء الذهب أن البلاديوم بديل للمعدن الأصفر أو البلاتين، وقد تم استخدامه كمعدن ثمين في ترصيع الحلي والمجوهرات منذ عام 1939 بديلا للبلاتين المعروف بالذهب الأبيض.
من جانب آخر، فإن خصائصه تجعله ذا قيمة كبيرة لصناعة السيارات، إذ يستخدم حاليا أكثر من 80 في المائة من الإنتاج العالمي للبلاديوم فيما يعرف بالمحولات الحفازة في السيارات، وهي جزء حيوي من نظام التحكم في الانبعاثات التي تصدر عن عملية تشغيل السيارة، ومهمتها الحد من الغازات السامة بتحويل الملوثات الضارة إلى انبعاثات أقل ضررا مثل الماء وثاني أكسيد الكربون.
وربما تنبع الأهمية المتزايدة للبلاديوم حاليا من القيود الصارمة التي تفرضها الصين والبلدان النامية على انبعاثات الغازات الضارة من السيارات، وخاصة سيارات الديزل التي يتم التخلص منها تدريجيا في أوروبا، وهو ما زاد الطلب على البلاديوم أكثر من أي وقت مضى.
لكن ريتشارد جون المضارب على المعادن في بورصة لندن يعد أن هناك أسبابا أخرى تسهم في القيمة المتنامية للبلاديوم، ويفسر ذلك لـ "الاقتصادية"، قائلا: إن "الأمر ببساطة هو أن ودائع البلاديوم نادرة، فمناجمه الرئيسة في روسيا وجنوب إفريقيا وكندا وتحديدا في أونتاريو ومونتانا، وعموما يقدر الخبراء أن هناك نحو 110 آلاف طن فقط من مجموعة معادن البلاتين في جميع أنحاء العالم، إذ يوجد ما يقرب من 70 ألف طن منها في جنوب إفريقيا التي تنتج بمفردها 40 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي من البلاديوم. وهذا يعني أن إعادة التدوير تعد مصدرا مهما لضمان الحصول على مزيد من الإمدادات من البلاديوم، وفي عام 2017 تم استخراج ما يقدر بنحو 121 طنا من البلاتين والبلاديوم والروديوم على مستوى العالم من الخردة".
وربما تبرر ندرة المنتج من البلاديوم اللجوء إلى إعادة التدوير، فإجمالي الإنتاج العالمي لا يتجاوز 7.54 مليون أونصة أو ما يقارب 214 طنا في عام 2017.
ودفعت الندرة المفرطة لهذا المعدن بالشرطة الأمريكية إلى تبرير ارتفاع معدلات سرقات المحولات الحفازة من السيارات بالسعي لاستخراج البلاديوم منها وبيعه.
وتوقع "بنك أوف أميركا ميريل لينش" في مذكرة لعملائه، ارتفاع أسعار البلاديوم، لكنه حذر المستثمرين في الوقت ذاته من الاستعداد لمزيد من التقلبات.
وتشير التقديرات الدولية إلى أن مخزونات البلاديوم في أماكن تخزينها في سويسرا أقل حاليا من أعلى مستوى وصل إليها المخزون قبل سنوات، وكذلك الأمر في أماكن التخزين في شيكاغو حيث يقترب مخزون البلاديوم من النفاذ.
وحول أبرز منتجي البلاديوم في العالم، يقول لـ "الاقتصادية"، رواي مكسويل من اتحاد مصنعي السبائك في المملكة المتحدة: "تعد شركة نوريلسك الروسية أكبر منتج للنيكل في العالم بنسبة 17 في المائة والبلاديوم بنحو 41 في المائة أي ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون أونصة من البلاديوم، كما أنها إحدى أكبر عشرة منتجين للنحاس، ورغم احتفاظها بنسبة عالية من إنتاج البلاديوم، إلا أنه يعد منتجا ثانويا من مناجمها في روسيا وبوتسوانا وجنوب إفريقيا، يليها شركة أنجلو بلاتينيوم ولديها 11 منجما، إضافة إلى عدد آخر من مناجم المشاريع المشتركة في جنوب إفريقيا وزيمبابوي، وقد قفز إنتاجها من البلاديوم 14 في المائة أي ما يقدر بمليون وستمائة ألف أونصة بين عامي 2016 و2017، بينما تحتل شركة إمبالا بلاتينيوم المرتبة الثالثة، ووفقا لآخر تقدير لها الذي أعلنته منتصف العام الماضي، فإن إجمالي إنتاجها من البلاديوم لم يتجاوز 849 ألف أونصة من المعدن الثمين".
وفي ظل هذا المشهد الخاص بوضع البلاديوم على المستوى العالمي فإن الحديث عن التوقعات السعرية خلال العام الحالي، يبدو مسار تساؤلات عديد من المضاربين على المعادن في البورصات الدولية.
ويقول لـ "الاقتصادية"، كليف هيدي الخبير المالي في بورصة لندن، إن أوضاع العرض تواجه تحديات حقيقية بالنسبة للبلاديوم، مما يشير إلى احتمال ارتفاع كبير في الأسعار خاصة مع تراجع الاحتياطات السويسرية وإلي حد كبير الأمريكية.
ويضيف هيدي لـ "الاقتصادية"، أن "هناك عجزا عالميا في الإمدادات منذ عام 2012، ومن المتوقع استمرار العجز في المستقبل المنظور، فالزيادات الإنتاجية في كندا يواجهها نقص في الإنتاج الروسي والجنوب الإفريقي، بينما الطلب العالمي على السيارات ما زال قويا في معظم أنحاء العالم، كما أن الطلب على السيارات الرياضية متعددة الاستعمالات كبير في الولايات المتحدة، وكذلك على محركات البنزين الصغيرة في آسيا، وهذا سيزيد الطلب العالمي على البلاديوم، ونلاحظ أن الطلب تجاوز العرض عام 2016 بمقدار 89 ألف أونصة، وفي عام 2017 بمقدار 801 ألف أونصة، وعلى الرغم من أن التقدير النهائي للعام الماضي لم يعلن بعد، فإن من المتوقع أن يكون العجز قد بلغ 239 أونصة، وإجمالي العجز العالمي منذ عام 2015 بلغ ثلاثة ملايين أونصة".
ويضيف هيدي أنه حتى إذا أفلحت صناعة السيارات في إيجاد بدائل، فإن المرحلة الانتقالية ستتطلب عامين على الأقل للتحول إلى تلك البدائل، وحتى يظهر تأثير ذلك على الطلب على البلاديوم فإن الأمر سيتطلب بعض الوقت.
ومن هذا المنطلق يشير بعض الخبراء إلى أن العجز المتراكم بين العرض والطلب، قد تم سداده في السنوات الماضية من احتياطات البلاديوم المتوافر لدى عديد من صناديق التحوط، لكن تلك الاحتياطات تراجعت الآن من ثلاثة ملايين ونصف المليون أونصة عام 2014 إلى مليون أونصة فقط الآن، يعني ذلك أن ارتفاع الأسعار ربما سيكون الإجابة الوحيدة خلال الفترة المقبلة.
وتاريخيا، فإن العلاقة بين الذهب والبلاديوم، هي أن سعر الذهب أعلى بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات من البلاديوم، والفارق السعري الراهن أعلى بقليل من 1 في المائة، وخلال الأيام الماضية تغيرت المعادلة لمصلحة البلاديوم، ويتوقع أن تواصل السير في هذا الاتجاه مع استمرار انخفاض العرض، وزيادة الطلب على السيارات والإلكترونيات، وتشديد تشريعات الانبعاثات في الصين والولايات المتحدة.
إلا أن هذا التفاؤل بشأن أسعار البلاديوم هذا العام، لا ينفي اعتقاد بعض الخبراء بأن السعر الذي بلغه البلاديوم حاليا وهو 1500 دولار للأونصة سيتراجع ليبلغ المتوسط العام في عام 2019، ما يقارب 1375 دولارا، لكن هيدي يعتقد أن المفاجأة الحقيقية ربما تظهر في العام المقبل، حيث يتوقع أن يشهد السوق قفزات سعرية حقيقية، قد تفتح الأفق لأسعار غير مسبوقة للبلاديوم، يمكن أن تصل به إلى حدود 5000 دولار للأونصة، خاصة إذا عانت الشركات المنتجة من تراجع قدرتها الحقيقية في إمداد الأسواق باحتياجاتها الفعلية، واتسعت الفجوة الراهنة بين العرض والطلب.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- المعادن