Author

الاقتصاد الإيراني بعد 40 عاما «1»

|
مستشار اقتصادي


لم تقم الثورة في إيران لأسباب اقتصادية محضة لكن كان لها دور مهم ولذلك جاءت الثورة بوعود بالعدالة المجتمعية من خلال توزيع أمثل للثروة وكبح التضخم وتوفير الوظائف والرفاهية للجميع؛ بعد 40 عاما على الثورة ومضي 31 عاما على الحرب حان الوقت لتقييم الأداء. قبل الدخول في مقومات الأداء لابد من التذكير ببعض المرجعيات لعلها تساعدنا على تأطير أفضل وبالتالي تقييم أدق. أولا: كانت هناك وعود بالتقدم الاقتصادي والرفاهية؛ ثانيا، إيران في جزء من العالم لم يحقق تقدما يذكر على اختلاف التجارب والأداء النسبي؛ ثالثا: إيران اقتصاد نفطي رغم ما تحاول إشهاره أنها أقل اعتمادا عليه من الدول الأخرى، فبدون النفط والغاز ستكون الصورة مختلفة جذريا؛ رابعا: تميزت الفترة الثورية بمحاولة الاستقلال ولكن أيضا المقاطعة وسوء الإدارة والفساد؛ خامسا: تفردت إيران بحالة سكانية مختلفة عن دول المنطقة؛ سادسا: للثقافة الفارسية نزعة مادية أوضح ولذلك هناك حالة مزاج عام غير مريح بل استياء من الأداء المخجل إذ يبلغ متوسط الراتب الشهري أقل من 600 دولار في الشهر. سأناقش الحيثيات والمتغيرات الاقتصادية تباعا في ظل هذه العناصر التي تحكم السياقين التاريخي والموضوعي. لنتابع العناصر والمتغيرات الاقتصادية مثل النفط والنمو والمالية العامة والتضخم والبطالة ونتابع تطوراتها.
تقول إيران: إن لديها من الاحتياطيات النفطية -تعلن من فترة إلى أخرى عن احتياطيات إضافية دون تأكيد من مصادر موثوقة ومستقلة في الصناعة- ما يؤهلها فرضا لإنتاج أكثر من خمسة ملايين برميل وإنها ثاني احتياطي عالمي في الغاز لكن إنتاجها وتصديرها لا يوحي بذلك حتى قبل الحظر والمقاطعة. فبعد أن كانت تنتج نحو 5.5 مليون برميل في نهاية حكم الشاه تحاول الوصول إلى مستوى أربعة ملايين برميل دون جدوى والآن وبعد تجديد العقوبات تنتج نحو 2.9 مليون برميل تصدر منها "وهذا هو المهم للمالية العامة" نحو 1.2 مليون برميل في نهاية 2018، حتى قبل الحظر الأخير تراجعت إيران إلى ثالث منتج في دول "أوبك" بعد العراق، وكذلك في الغاز فرغم الاحتياطيات الضخمة إلا أن إيران رقم 14 من مصدري الغاز في العالم. وأخيرا حقول إيران النفطية قديمة إذ إن إيران كانت أول منتج للنفط في منطقة الخليج، ولذلك تحتاج إلى تكاليف باهظة خاصة أن لدى إيران صعوبات في جذب الشركات العالمية بسبب المقاطعة الأمريكية الأخيرة فقد تخلت "توتال" الفرنسية وقبلها بسنوات "شل" عن مشاركة إيران في أحد حقول الغاز. آخر تعديل تم على أسعار الوقود داخليا كان في أيار (مايو) 2015، ما جعلها أقل من جميع جيرانها بعد الانخفاض الحاد في أسعار العملة، ما زاد الاستهلاك "وقد يكون جزء منه ذهب للتهريب". انخفاض الأسعار وتقلص التصدير لن يسمحا لإيران بالاستثمار في القطاع بسهولة بسبب الضغوط على الميزانية العامة. المالية العامة دائما مهمة خاصة في اقتصاد يسوده القطاع العام.
بلغت ميزانية إيران الأخيرة للعام المالي 2018 - 2019 إذ يبدأ العام المالي في آذار (مارس) نحو 113.9 مليار دولار مقارنة بالسعر الرسمي للريال 43 ألفا مقابل الدولار، لكن نحو 43.5 مليار دولار مقارنة بسعر السوق للريال الذي وصل إلى نحو 110 آلاف ريال مقابل الدولار "يعني أنها حتى بالسعر الرسمي تبلغ أقل من ثلث الميزانية السعودية، بينما سكان المملكة نحو 40 في المائة من سكان إيران". محاولة توزيع الميزانية على الدعم والسلاح ودعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة والمصروفات العامة تجعل إيران في حالة عجز مالي ودين عام متزايد يصل إلى 50 في المائة من الدخل القومي الإجمالي الذي يبلغ نحو 455 مليار دولار في نهاية 2017. في الأسبوع المقبل نقدم تفصيلا أكثر عما يؤثر في حياة الناس العامة مثل التضخم والبطالة ومقارنة بالدول المشابهة لحجم إيران اقتصاديا.

إنشرها