default Author

دولة الرعاية الاجتماعية .. مد وجزر «4»

|


إن ما نحتاج إليه هو نظام تميزه ثلاث سمات استراتيجية على الأقل:
- التركيز على التطوير في مرحلة الطفولة المبكرة، نظرا للنتائج القوية التي توصلت إليها البحوث وتفيد بصعوبة تعويض الفجوات التي تحدث في المراحل المبكرة في التطور الإدراكي والاجتماعي.
- إتاحة خيارات مرنة لكل فرد لانتقاء الموضوع والطريقة والسرعة التي يكتسب بها مهارات جديدة ويختار مسارات التدريب المهني والأكاديمي.
- وضع نظام للتمويل يدعم هذه الطرق في تقديم الخدمات، بما في ذلك مزيج من أموال دافعي الضرائب، ووضع نظام مصمم جيدا لقروض الطلاب، حيثما أمكن ذلك، كما في أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة.
فما دور الأفراد المساهمين في نظم الرعاية الجديدة التي نتحدث عنها؟
من الواضح أن المنافع المرتبطة بالدخل يجب أن تقوم على المساهمات. ومع هذا، عندما يكون الغرض الرئيس من المنافع هو التأمين "الرعاية الصحية" أو تخفيف حدة الفقر "نظم معاشات التقاعد الأساسية"، فسوف تتراجع فعالية مساهمة العاملين من خلال وظائفهم مقارنة بما مضى، فضلا عن تثبيط الهمم عن البحث عن عمل في القطاع الرسمي. إذا، ربما كان من الأفضل تمويل الرعاية الصحية والمنافع المشابهة من خلال الضرائب المفروضة على نطاق واسع، بحسب دراسة Levy في 2008 أو من مصدر إيرادات مخصص لا علاقة له بالوضع الوظيفي، أي من جزء من إيرادات ضريبة الاستهلاك مثلا. ومن الضروري التمييز في كل هذه المجالات بين هيكل نشاط ما وطريقة تمويله. وما الجهة التي تقدم هذه الخدمة بشكل أكثر فعالية، السوق أم الدولة؟ وفي حالة عدم حدوث أي حالة فشل كبيرة في السوق، تصبح مخصصات السوق التي تكملها تحويلات الدخل عادة أعلى بوجه عام.
إذًا كيف ينبغي تمويل هذا النشاط؟ إذا كانت الحكومة تسهم بدور في التمويل، فيتوقف الجواب في هذه الحالة على وضع المالية العامة في هذا البلد واقتصاده السياسي. على سبيل المثال، قامت البلدان الاسكندنافية بالتصويت لمصلحة زيادة الضرائب لتمويل مزيد من الخدمات العامة وتحسين الموجود منها بطريقة لا يمكن تطبيقها من المنظور السياسي في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة.
لماذا تتدخل الدولة؟
وأخيرا، لماذا ينبغي أن يكون للدولة دور في ذلك؟ إن السياسة الاجتماعية الجيدة تحتاج إلى التعزيز المتبادل بين أنشطة السوق والدولة، وتقتضي تصميم السياسات على نحو يتماشى مع النظرية الاقتصادية. وهناك كثير من الحلول التي تأخذ في اعتبارها إخفاقات السوق، وتقر بتغير الأوضاع في سوق العمل وهياكل الأسر، وتعتمد على النتائج التي يستخلصها الاقتصاد السلوكي مثل دفع الناس إلى زيادة مدخراتهم من خلال تسجيلهم تلقائيا في أحد برامج معاشات التقاعد.
وتنطوي جميع تصاميم نظم معاشات التقاعد على مشاركة الدولة بشكل كبير في التمويل ووضع اللوائح، وكذلك في تقديم خدماتها بدرجات متفاوتة. ويمكن الاعتماد على القطاع الخاص في تقديم الرعاية الصحية، كما هو الحال في كندا، والاعتماد على القطاع العام، كما في البلدان الاسكندنافية، أو مزيج من الاثنين، كما في فرنسا وألمانيا. ويمكن تنظيم عمليات تمويل الرعاية الصحية على المستوى الوطني أو دون المركزي أو قد تتولى ذلك مؤسسات غير هادفة للربح. على أي حال، ورغم ذلك، فإن النظم التي يكتب لها النجاح هي التي تقوم على الضمان الاجتماعي أو التمويل الضريبي، وليس التأمين الاكتواري الخاص. وكثير من الجدل الدائر حول السياسات الاجتماعية يقوم على أيديولوجيات. وفي الولايات المتحدة، كثيرا ما تتعرض مشاركة الحكومة في تقديم الرعاية الصحية للهجوم باعتبارها، وفي المملكة المتحدة هناك شعور واسع النطاق، "اشتراكية" بالكراهية تجاه مشاركة القطاع الخاص لأنهم يعدونها "خصخصة" وهذا الجدل غير مفيد لأنه يضع الأيديولوجية في غير محلها. إنما المكان السليم والحيوي للأيديولوجية هو حيث تحدد الأهداف، أي الاستفهام "ماذا"، أما الاستفهام أو عن دور السوق ودور الدولة فينبغي التعامل معه بصفة أساسية كمسألة فنية مرتبطة بمدى إخفاق السوق في مواجهة المخاطر وأجواء عدم اليقين الرئيسة.

إنشرها