Author

بلاهة أوروبا في مجابهة إرهاب إيران

|
كاتب اقتصادي [email protected]


"يجب فرض قيود أكثر صرامة بحق إيران من قبل المجتمع الدولي"
مايك بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة

لا يبدو على أوروبا أنها تريد أن تعترف بالحقائق الكاملة حول النظام الإيراني، ولا تزال مستعدة للمضي قدما في أوهامها بإمكانية إصلاح هذا النظام! بصرف النظر عن كل المعطيات المتوافرة علنا. حتى إن طهران نفسها لا تقدم شكرا للاتحاد الأوروبي على كل ما يقوم به من أجلها. ومع ذلك، فالتبريرات الأوروبية للمواقف الإيرانية لا تتوقف، وبلاهة عرض حلول وسط بين المجتمع الدولي وهذا النظام لا تنتهي، وأوهام "إعادة" التأهيل لا حدود لها. المبررات الأوروبية صارت مادة للسخرية، ولا سيما في عديد من الأوساط الأوروبية، ناهيك طبعا عن الجهات الأمريكية التي ترى أن أوروبا تقوم في الواقع بمهام "محامي الشيطان"، ولا ترغب "حتى الآن على الأقل" في أن تكون ضمن أطر العقوبات المفروضة على نظام رفض كل الفرص لأن يكون جزءا طبيعيا من المجتمع الدولي.
في مطلع هذا الشهر أطلق الاتحاد الأوروبي آلية مالية جديدة للتعامل مع نظام علي خامنئي الإرهابي هي في الواقع أداة للالتفاف حول العقوبات الأمريكية المشددة على هذا النظام، ولا سيما الموجة الثانية من هذه العقوبات. لكن الأمور لم تمض كما ترغب مفوضية أوروبا ولا أركانها الكبار. ولا يبدو أن الآلية ستعمل في الوقت المناسب لها. ماذا فعل الإيرانيون تجاه هذا الكرم الأوروبي؟ أطلقوا سلسلة من تجارب الصواريخ الباليستية، وهاجموا بشدة موقف الاتحاد الأوروبي المعارض لتوسع برنامج إيران الصاروخي. كان الاتحاد مضطرا لإعلان موقف سلبي من هذا النشاط العسكري العدواني الإيراني، لأن مسؤوليه يتعرضون بالفعل لضغوط شعبية، بسبب المهادنة الفاضحة حيال نظام يرى الإرهاب في كل مكان يمكنه الوصول إليه.
في قلب "العاصمة" الأوروبية "بروكسل"، عقد مؤتمر دولي ضخم رعته منظمات غير حكومية، بمشاركة دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين أوروبيين، دعا إلى شيء واحد فقط، وهو ضرورة وجود رد قوي حقيقي لردع الإرهاب الذي يرعاه النظام الإيراني، ليس في سورية والعراق ولبنان واليمن وغيرها من البلدان فقط بل في البر الأوروبي نفسه. كل التقارير الأمنية الأوروبية أكدت على مدى سنوات طويلة حجم الوجود الإرهابي الإيراني في أوروبا، ناهيك عن نشاطاتها المشينة الأخرى التي تتعلق بتهريب المخدرات وغسل الأموال وما شابه ذلك. أجمع المشاركون في المؤتمر المشار إليه، على أن نظام خامنئي سيقدم لا محالة على ضربات إرهابية على الساحة الأوروبية في مرحلة لاحقة. مع التأكيد أيضا على انتشار مرعب لما أصبح يعرف في هذه القارة بـ"الخلايا النائمة الإيرانية".
لا إرادة سياسية أوروبية بهذا الخصوص، ولا يبدو أنها ستكون حاضرة في المرحلة الراهنة، والسبب أن حكومات أوروبا لا تزال تعتقد "وإن بدرجات متفاوتة" أن "الاستثمار" في النظام الإيراني، يمكن أن يكون مجديا، ليس فقط من جهة "بؤس" فكرة إعادة التأهيل، بل أيضا من ناحية الوجود الاستثماري الأوروبي على الساحة الإيرانية. لكن الأمور في النقطة الأخيرة لا تمضي كما تشتهي هذه الحكومات. فحتى بعد إطلاق آلية التعامل المالي مع طهران، لم تبد أي شركة أوروبية ذات قيمة عالمية حقيقية الرغبة في أن تكون لها حصة في إيران. فهي تخشى غضب الولايات المتحدة، أكثر من غضب حكوماتها المتراخية. يضاف إلى ذلك، أن الفرص الاستثمارية في إيران عالية المخاطر، بسبب الأجواء المحيطة بها، والموقف الدولي السلبي "غير الأوروبي" من النظام الذي يحكمها.
غير أن المسألة المطروحة على الساحة حاليا بصورة أكبر، هي تلك التي تتعلق بالمخاطر التي يمثلها الإرهاب الإيراني على الساحة الأوروبية. فحتى الآن، هناك جهات وأفراد في إيران لم تضعهم أوروبا على القوائم الإرهابية، بمن فيهم الحرس الثوري الإيراني الذي لم يدرج برمته ضمن هذه القوائم. جيوليو تيرتزي وزير الخارجية الإيطالي السابق قال بوضوح: "إن كبار المسؤولين في طهران متورطون في الإرهاب"، ومضى أبعد من ذلك قائلا: "إن هذا هو الحمض النووي الخاص بهم". وانضم آخرون في المؤتمر الدولي المشار إليه من خلال توصيفات تدور ضمن النطاق نفسه. أي إن هناك قناعة بحقيقة إرهاب نظام إيران، لا تزال حكومات أوروبا ترغب في وضعها في زاوية معتمة، بما في ذلك المعلومات التي تنشر بين الحين والآخر، عن تورط دبلوماسيين إيرانيين بمخططات إرهابية على الأرض الأوروبية.
ليست مفيدة انتقادات أوروبا لإيران بسبب التوسع في برامجها التخريبية الخاصة بالصواريخ الباليستية. فهذه اللغة لا تنفع مع نظام يتحدى الإرادة الدولية بشكل عام، وينتفع في الوقت نفسه من الإرادة الأوروبية الغائبة. إنها مسألة خطيرة لم تعد محصورة في بلدان المنطقة التي لاقت الويلات من نظام إيراني إرهابي منهجي، بل صارت في عمق الساحة الأوروبية نفسها. لقد آن الأوان لحكومات أوروبا أن تتوقف عن بلاهتها السياسية مع نظام يستثمرها إلى أقصى الحدود.

إنشرها