Author

«رؤية العلا» .. هدية السعودية للتراث العالمي

|


تزخر السعودية بكثير جدا من المواقع التاريخية التي تروي قصصا من أعماق التاريخ، شواهد عملاقة نحتت بيد إنسان الجزيرة العربية، وروت قصة مسيرته الطويلة، قصص الخير والشر، قصص النماء والفناء، وهذه القصص مذكورة في الكتب السماوية كافة، ومذكورة عبر الأجيال في ذاكرة الإنسانية بين منحوتات عملاقة وقلاع شاهدة على آثار مسيرة القوافل، ولهذا فإن الملايين من البشر تهفو إلى زيارتها، لفهم الماضي والوقوف على أطلاله، و"العلا" تأتي في قمة هذه المواقع التاريخية، وهي تروي قصة الإنسان الذي قهر الصخر، وبنى في جوفه سكنا، لتتساءل الأجيال من بعده كيف، وتتساءل عن التجربة والمكان ومناخه وبيئته، ففي "العلا" تاريخ موقع "الحجر" العاصمة الجنوبية لمملكة الأنباط. وفيها مواقع خاصة بالحضارتين اللحيانية والنبطية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، هنا تجد "العلا" بالذات موقعها وأهميتها بين مقتنيات التراث العالمي كافة. ولقد مضى زمن لم يكن الانفتاح الثقافي في المملكة في أفضل حالاته، ولهذا لم تجد "العلا" الاهتمام اللائق بها وهي تتسنم قمة التراث العالمي، بينما لم يجد السائح لمثل هذا النوع الثقافي من طريق إليه، ولم يجد الناس في "العلا" فرصة للاستثمار في كل ذلك، وليس هذا حال "العلا" فقط، بل كل المواقع التاريخية والأثرية في المملكة، لكن مع روح الشباب التي يقودها الأمير محمد بن سلمان، والإرادة الكبيرة في التغيير وجدت "العلا" رؤية جديدة، حيث دشن الأمير بالأمس "رؤية العلا" التي تتضمن تصورا شاملا لتطويرها لتنال مقامها اللائق بها في التراث العالمي، مع الحفاظ على تراث الناس والحضارة القائمة اليوم فيها.
ما يميز "العلا" -مثلها في ذلك مثل مواقع كثيرة جدا في المملكة- هو ذلك التنوع الكبير في جغرافية المكان، فهناك تشكيلات صخرية لا مثيل لها، متميزة ومجموعة من المواقع الأثرية البارزة في المنطقة مثل المواقع الخاصة بالحضارتين اللحيانية والنبطية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وتعد "العلا" من عجائب العالم العربي القديم وتقع ضمن حدودها "الحجر" أول موقع في المملكة يتم إدراجه ضمن قائمة منظمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي الذي يعد العاصمة الجنوبية لمملكة الأنباط، كما أن الهيئة الملكية لمحافظة العلا تعمل على مشاريع مستقبلية لتطوير مراكز للزوار في المواقع الرئيسة الثلاثة: الحجر، وجبل عكمة، ودادان وتهيئتها لاستقبال الزوار من أنحاء العالم. وبهذا فإن "العلا" تخطو خطوة عملاقة نحو رحلة إنسانية جديدة نحو اقتصاد سياحي يستثمر مواردها الطبيعية كافة من أجل إنسان "العلا" الذي تتحقق له فرص وظيفية هائلة، ليست "رؤية العلا" مجرد اهتمام بسائح أو موقع أثري، بل هي في حقيقتها التي دشنها ولي العهد تعمل لتحقيق 32 هدفا من أهداف "رؤية المملكة 2030"، بين إنسان طموح، وموقع جغرافي مستغل، تنمية متوازنة. فـ"رؤية العلا" تشتمل أيضا على برنامج ابتعاث لأبناء منطقة العلا، وهو مشروع يأتي ضمن توجيهات خادم الحرمين الشريفين نحو تنمية الموارد البشرية في المملكة، كما تهتم الـ"رؤية" بالمحميات الطبيعية، ولهذا تم إطلاق مشروع محمية شرعان، ومشروع الصندوق العالمي للنمر العربي، فالاستثمارات ستقوم بتغطية هذه الجوانب كافة من حيث بناء منتجعات وفنادق عالمية وفق النظام المعماري التراثي في "العلا" وكأنك عدت للماضي بتقنيات العصر الحديث، فنادق عالمية في غرف مبنية في تجاويف صخرية، وهذه الفنادق والمساحات قادرة على استقبال المؤتمرات العالمية ولقاءات القمة بين دول العالم، ولهذا فإن تأهيل أبناء "العلا" لمثل هذه اللقاءات والمستقبل وتحدياته يتطلب مشاريع تنمية للإنسان وموارده الفكرية والمهارية، وهذه المشاريع في مجملها تستهدف مؤشر مليوني سائح سنويا، وأكثر من 4200 وظيفة مباشرة، وأثرا في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 120 مليار ريال للناتج المحلي.

إنشرها