Author

الربع الساخن

|


يشكل الربع الأول من السنة المالية مرحلة محورية من السنة، للأفراد والشركات على حد سواء. يأخذ هذا الربع في العادة من ملامح الربع الأخير إذ تستمر كثير من الأنشطة المتعلقة بإنهاء الفترة المالية حتى الربع الأول، ولكنه كذلك يحوي عديدا من الأنشطة المتعلقة بمتابعة وفهم ما حصل في السنة السابقة من زاوية الأداء والنتائج الإدارية، إضافة إلى التخطيط للسنة الجديدة، وكذلك يبدأ فيه البائعون ومقدمو الخدمات بجس نبض الحركة السنوية لما يحاولون بيعه وتمريره للمستهلكين. وهنا يبنى العمل على فرضية "ليالي العيد تبان من عصاريها"، باستثناء القطاعات التي تملك ملامح موسمية مختلفة خاصة بها. ولأن معظم الشركات العاملة في المملكة تستخدم السنة الميلادية كسنة مالية، وباعتبار تحول الرواتب إلى السنة الميلادية، فإن الربع الأول من السنة الميلادية تحديدا يعد نقطة تحول كبيرة تؤثر الأعمال التي تنفذ فيه أو تُخطط فيه في بقية أيام السنة.
أول الملامح الرئيسة يرتبط بقياس الأداء المالي وإغلاق الحسابات ومراجعتها، وما يتبع ذلك من توزيع للمكافآت السنوية. وفي هذا النشاط ذروة التفاعلات بين المحاسبين ومراجعي الحسابات، ويتفاعل معهم بطبيعة الحال الرؤساء التنفيذيون وأعضاء مجالس الإدارات والمستثمرون كذلك. وهنا يتضح بشكل جيد من يسيطر على مشاريعه ومهامه ومن يفوت القيام بمسؤولياته على الوجه الأكمل. من طبيعة النقاشات والتعارضات التي قد تنشأ خلال هذه الفترة تتضح الصورة بشكل جيد حول مستوى وجودة الإجراءات الموجودة، ومهارات القائمين عليها، وأداء الفرق بشكل عام، فتفسير وجود عمليات ضخمة مثيرة للجدل يختلف عن وجود نقاشات حول أفضل طريقة لعرض إفصاح اختياري أو قائم على حكم الإدارة.
ثاني ملامح هذا الربع السنوي المهم يرتبط بوضع الدورة التخطيطية فيه وطريقة التفاعل معها، وهذا أمر ينطبق كذلك على الإدارة الشخصية للأهداف. بعض الشركات تنهي فعليا مراحل التخطيط في الربع الرابع في السنة السابقة، وتبدأ في التنفيذ من اليوم الأول للسنة الجديدة، بينما هناك شركات ــــ والأغلبية كذلك حسب ظني ــــ لا تنهي تحديد موازنتها وأهدافها ومهام فريق العمل الجديدة فيها إلا في نهاية الربع الأول، خصوصا عندما يتوقف التنفيذ على موافقة متأخرة من مجلس الإدارة أو إجراء بيروقراطي آخر. تختلف النتائج كثيرا عندما تتمكن المنشأة من معرفة نتائج تخطيطها في الربع الأول- إذا كان التخطيط مبكرا والتنفيذ في وقته- عن منشأة لا تعرف نتائج تخطيطها إلا في منتصف السنة أو ثلثها الأخير. وهذا، يؤثر في طبيعة الأفعال التصحيحية، إذ قد تتحول إلى عمليات "ترقيع" خطيرة جدا. ولا ننسى أننا في عالم يقيس أداءه بشكل لحظي تفاعلي على مدار العام، ولكن ما زال هناك كثير من المنشآت المتأخرة جدا جدا في التفاعل مع الحقيقة.
كذلك يكتسب هذا الربع أهمية أخرى على المستوى الاقتصادي الكلي، إذ تتأثر بالطريقة نفسها الدول بنتائج أعمالها السابقة ومخططاتها الجديدة، ما يحفز المراقبين والخبراء والمحللين على بث معلومات استشرافية للأسواق المختلفة، وهذه تحرك وتؤثر مع الظروف السياسية في حوافز المستثمرين على المديين المتوسط والقصير. وعلى الرغم من أن بقية أيام السنة لا ترتبط بالضرورة برؤية أحد الأطراف ولا توجد علاقة يمكن الاعتماد عليها والجزم بها، إلا أن هذا النوع من الآراء والرؤى هو أفضل ما يمكن التعامل معه من الأطراف الخارجية لتحديد الوجهة المقبلة، حتى تتضح الصورة بشكل أفضل بشرط أن تملك الشركات المرونة الكافية للاستجابة لهذه المعطيات بشكل سريع وملائم.
وباعتبار انتهاء معظم هذه الأعمال خلال الربع الأول، خصوصا ما يرتبط بمحاسبة الأداء للفترة السابقة، وتوزيع المكافآت، وتخطيط الاحتياجات للسنة القادمة، فإن انتهاء الربع الأول يدشن موسما توظيفيا جديدا لكثير من الشركات، خصوصا للوظائف المتوسطة المستوى والوظائف القيادية. يستمر هذا الموسم تقريبا حتى موسم الصيف. وهذا بدوره يؤثر في فرصة تحقيق الأهداف القائمة على توافر الموارد المناسبة. ولهذه الأسباب، فإن ضبط تزامن الأحداث والأفعال خلال هذا الربع الساخن مطلب ضروري لضبط الأداء على مدار الساعة، والمسألة لا ترتبط فقط بالانتهاء في وقت مبكر، وإنما بالتنسيق بين مختلف التفاعلات لتحدث بشكل يحقق النتائج المطلوبة.

إنشرها