Author

قمر سعودي .. خطوة أولى وقفزة عظيمة

|



رحلة تاريخ يجب أن يُذكر، وعمل جبار على حلم يأتي تحقيقه على مسار طويل، كأنه الهجرة من قلة المعرفة والخبرة والفقر والحاجة، إلى عالم العلم والاتصالات والتكنولوجيا. فعندما جاء الملك عبدالعزيز؛ فاتحا الرياض ومعها افتتح المدارس وأطلق العلم من عقاله، استكمل أبناؤه البررة تلك المسيرة العظيمة لنقل الشعب السعودي من الكتاتيب إلى الجامعات، حتى ذلك اليوم الذي صفق فيه العالم لأول عربي مسلم يرتاد الفضاء، كان الأمير سلطان بن سلمان؛ ليستمر العمل والنهضة والمسيرة، حتى أتى الملك سلمان؛ وتولى أمر البلاد، ومعه انتقلت المملكة إلى مستوى التحدي والمنافسة العالمية، وجاء ولي العهد محمد بن سلمان؛ بالتوقيع بعبارات من ذهب "فوق هام السحب" على آخر قطعة من أول قمر صناعي سعودي بأيد سعودية. وبالأمس الأول أعلنت المملكة - ممثلة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - إطلاق القمر السعودي الأول للاتصالات "SGS-1" بنجاح من مركز جويانا الفرنسي للفضاء على متن الصاروخ "أريان 5". هنا يقف التاريخ بإجلال واحترام لهذه القيادة الطموحة التي تجعل الحلم حقيقة، ومعها هذا الشعب المجتهد.
عندما تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان؛ مقاليد الأمر في المملكة، قدَّم الشباب في كل المجالات، وقاد الأمير محمد بن سلمان؛ ولي العهد "رؤية المملكة 2030" التي وضعت الشعب المتحضر واقتصاده الطموح كرؤية، ومن أجل تحقيقها عملت الحكومة السعودية على تنمية اقتصاد المعرفة؛ لأنه يجمع بين حضارة الشعب وطموحه. واقتصاد المعرفة يسعى إلى نقل التكنولوجيا المتقدمة وتوطينها، مع دعم مستمر للابتكار، كما تسعى المملكة من خلاله إلى تعزيز المحتوى المحلي الصناعي وتنميته. وفي هذا الاتجاه فإن صناعة القمر السعودي للاتصالات، الذي جرى تطويره، بالتعاون مع شركة لوكهيد مارتن، وبتأهيل عدد من المهندسين السعوديين، وفق المعايير التي تعتمدها الشركة لمنسوبيها في جميع مراحل التصنيع والاختبار، بهدف نقل خبرات التصنيع والاختبارات الخاصة بتقنيات الأقمار الصناعية الضخمة والمخصصة للاتصالات الفضائية في المدار الثابت، كما أنه سيتم تشغيل القمر وإدارته والتحكم فيه عبر كوادر وطنية، وتم إطلاقه باستخدام أنظمة دفع هجينة "كهربائية وكيميائية"، ساعدت على تقليل وزن القمر، وزيادة عمره الافتراضي؛ إذ يبلغ وزنه 6.5 طن، وعمره الافتراضي أكثر من 20 عاما، كما أنه يحمل ألواحا شمسية عالية الكفاءة، تقوم بتوليد الطاقة بقدرة إجمالية تتجاوز 20 كيلوواط، كما يحتوي القمر على وحدة معالجة، تسمح بتغيير إعدادات الإشارة الصاعدة والهابطة، ووحدة توزيع قادرة على تمرير الاتصالات بين المستخدمين دون عبور المحطات الأرضية. كما يحمل حمولة للاتصالات لنطاق Ku-band مخصصة لـ "هلا سات"؛ إحدى شركات "عربسات". وهذه المواصفات المتقدمة التي تم تنفيذها بأيد سعودية ومهندسين مؤهلين مدربين على أعلى المستويات تضع المملكة اليوم في صناعة الأقمار الصناعية، وتجعل هذه التقنية المتقدمة اليوم تحت أيدي أبناء المملكة.
ومع صناعة هذا القمر والنجاح في إطلاقه، فإن المملكة تضع لنفسها قدما في سوق الاتصالات العالمية والتكنولوجيا المتقدمة، وهي اليوم تستطيع من خلال هذا القمر تأمين الاتصالات لعدد كبير من دول العالم، وإذا كنا اليوم قد خطونا هذه الخطوة الجبارة، فإننا على موعد مع مزيد من القفزات خاصة في مجال أنظمة إطلاق الصواريخ مع تطور الصناعات العسكرية التي تأخذ اهتماما مباشرا من ولي العهد، وبذلك تكتمل عناصر هذه الصناعات المتقدمة. وكما بدأ الملك عبدالعزيز؛ رحلة العلم التي رأينا ثمارها مع أول رائد فضاء عربي مسلم، ونرى ثمارها اليوم أيضا بمهندسين يطلقون أول قمر سعودي، فإن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ يقودنا في رحلة الصناعة المتقدمة والمتطورة. وإذا كنا نستشرف من الماضي صلابة العزم، فإن لنا الحق في أن نرى المستقبل مشرقا، تحت هذه القيادة المخلصة لشعبها.

إنشرها