Author

ما الأثر الاقتصادي للهيئات الأربع؟ (10): الترفيه

|

كما سبقت الإشارة فإن توفير وسائل الترفيه ليس حكرا على عمر، بل هو أمر تحتاج إليه الفئات العمرية كافة. ولا ينبغي أن يكون الترفيه حكرا على من لديه المقدرة المالية، فهو على صلة بجودة الحياة، التي هي حق للجميع، فالترويح عن النفس حاجة إنسانية. ولابد من بيان أن الاهتمام بالترفيه ليس دافعه الأساس اقتصاديا ولا حتى اجتماعيا بل حياتيا، فهو لا ينمي فقط مهارات وقدرات الصغار عندما يركضون فرداى، ثم يلعبون سويا، ثم يتنافسون للفوز، بل هو العنصر الفارق لجعل حياة الفرد متوازنة؛ بين العمل والتزامات وضغوط الحياة الأخرى. وعلى الرغم من أن رحلة تنظيم العمل استغرقت قرونا، إلا أن قضية التوازن هذه برزت للسطح منذ عقود عدة فقط، لتؤثر في كامل سياق تنظيمات العمل، بما في ذلك عدد الساعات التي يعملها العامل في المتوسط، وإثبات أن طول ساعات العمل لا ينبغي أن يكون مؤشرا للإنتاجية، فمقياسها قيمة ما ينتجه العامل وليس عدد الساعات التي يقضيها على رأس العمل، فالاقتصادات الأكثر ثراء ساعات العمل فيها من بين الأقل. الآن، ما علاقة الترفيه بكل هذا؟ العلاقة أن بدايات التحضر وتكوين المجتمعات المستقرة كانت نتيجة للعمل الجاد، وأن العمل الجاد يتطلب راحة وترويحا، فقد ولّدَ نجاح المجتمعات الزراعية الحاجة إلى بناء الدور والمنازل وتوفير متطلبات لها، وهذا أخذ يوجد طلبا لأشخاص مهرة في صناعة أدوات ومستلزمات الزراعة مثل المناجل والحراثات إلى العربات لنقل المحاصيل، والبنائين والنجارين والحدادين، وهي بوادر ما يعرف في الاقتصاد بمبدأ التخصص وتقسيم العمل. لكن ذلك لم يعن أبدا الراحة بل ساعات طويلة من العمل تمتد طول النهار، ولم يتغير الأمر كثيرا حتى بعد انطلاق ما يعرف بالثورة الصناعية، إذ تفيد سجلات العمل البريطانية أن الدوام بوقت كامل -في منتصف القرن الـ19- كان يعني وفقا لبعض المصادر العمل 3000 ساعة في السنة على أقل تقدير، وقد يصل التقدير إلى 4500 ساعة عمل في السنة، ثم أخذ يتراجع بسبب التشريعات التي بدأت بتقنين ساعات عمل الأطفال والنساء، ثم بتقييد عدد ساعات العمل بثماني ساعات يوميا، ثم بفرض العمل لخمسة أيام ونصف يوم في الأسبوع، ثم خمسة أيام فقط، ثم الحق في إجازة سنوية مدفوعة، ليتراجع عدد ساعات العمل إلى 2000 ساعة في منتصف القرن الـ20. (يتبع).

إنشرها