Author

توقعات النمو العالمي .. تتراجع

|


خفض عديد من المؤسسات الدولية ومراكز الخبرة العالمية توقعات النمو الاقتصادي العالمي لعام 2019. ويقف على رأس المؤسسات الدولية المختصة بالاقتصاد العالمي صندوق النقد الدولي، الذي خفض أخيرا توقعاته السابقة في شهر أكتوبر الماضي بعشري نقطة مئوية وذلك من 3.7 في المائة إلى 3.5 في المائة. ويأتي تراجع نمو ثاني أضخم اقتصاد عالمي - ألا وهو الاقتصاد الصيني- كأحد أبرز أسباب خفض التوقعات لهذا العام. ويتنبأ الصندوق بأن الاقتصاد الصيني سيسجل هذا العام والعام المقبل أدنى معدلات نمو اقتصادي منذ 1990. وأرجع الصندوق خفض تقديرات النمو إلى زيادة توترات التجارة العالمية، واتجاه معدلات الفائدة العالمية للارتفاع. وأوضحت رئيسة صندوق النقد الدولي في اجتماعات مؤتمر دافوس الأخيرة أن الاقتصاد العالمي ينمو بتباطؤ بعد عامين من النمو القوي. ولا تقتصر النظرة التشاؤمية لنمو الاقتصاد العالمي على صندوق النقد الدولي وإنما تشمل مؤسسات عالمية أخرى كالبنك الدولي ومنظمة دول التعاون والتنمية.
يأتي جزء كبير من تراجع التوقعات إلى التباطؤ الواضح في معدلات نمو الاقتصاد الصيني الذي يلعب دورا رئيسا في معدلات نمو الاقتصاد العالمي، بسبب ضخامة حجمه ومعدلات نموه المرتفعة. وسجل الاقتصاد الصيني العام الماضي معدل نمو بلغ 6.6 في المائة وهو أقل معدل نمو منذ عام 1990. وجاء هذا التراجع بسبب انخفاض نمو الطلب على الصادرات الصينية والقيود المتزايدة عليها من قبل الولايات المتحدة التي تسببت في إحباط تطلعات كثير من الشركات الصينية العملاقة. وتشير أحدث توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن نمو الاقتصاد الصيني سيتراجع إلى 6.2 في المائة في عامي 2019 و 2020 وهو الأقل خلال ثلاثة عقود. وكلما ارتفعت حمى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ارتفعت مخاطر تراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني حيث ستقود إلى تراجعات في الأسواق المالية وأسواق السلع.
سيظل معدل نمو الاقتصاد الأمريكي عند مستويات التوقعات السابقة البالغة 2.5 في المائة في 2019، ولكن يمكن أن يتراجع بعض الشيء بسبب ارتفاع معدلات الفائدة المنتظر وإغلاق الحكومة الأمريكية جزءا من مؤسساتها. وفي الجانب الآخر من الأطلنطي خفض الصندوق توقعاته لنمو منطقة اليورو بعشري نقطة مئوية إلى 1.6 في المائة في 2019. وتسببت المعضلات التي تواجه بعض الشركات الألمانية وانخفاض الطلب على صادراتها وكذلك ضبابية عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تراجع توقعات معدل نمو اقتصاد منطقة اليورو. أما بالنسبة للدول النامية فقد خفض الصندوق توقعاته لنمو اقتصاداتها بشكل طفيف لتراجع معدلات نمو الاقتصاد الصيني الذي سيخفض الطلب على صادرات الدول النامية من المواد الأولية. وضمن الدول النامية يتوقع الصندوق نمو منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا خلال 2019 بنسبة 2.4 في المائة وهو ما يعكس تراجعا بنحو 0.3 في المائة من توقعاته في أكتوبر الماضي.
وسيقود ارتفاع معدلات الفائدة إلى خفض تطلعات النمو في اقتصاد الولايات المتحدة حيث سترفع تكاليف الائتمان، ما سيؤثر بشكل سلبي في معدلات نمو الاستثمار والاستهلاك. كما ستقود زيادة الفائدة عادة إلى رفع معدلات صرف الدولار، ما سيزيد تكلفة الصادرات الأمريكية ويخفض الطلب عليها، وفي الوقت نفسه يفاقم حجم العجز الجاري الأمريكي شبه الدائم، كما سيفاقم حجم الديون الخاصة والعامة. وإذا ما صعدت معدلات الفائدة وأسعار صرف الدولار سترتفع أسعار المواد الأولية بالعملات الأخرى، ما سيخفض الطلب عليها وقد يقود إلى تراجعات غير متوقعة في أسعار السلع. وإذا ما حدثت زيادات معتبرة في معدلات الفائدة ستتفاقم أعباء الديون السيادية بالدولار الأمريكي، ما سيولد مخاطر للدول الأكثر استدانة في العالم. أما بالنسبة لأسعار النفط فتشير البيانات التاريخية إلى علاقة سلبية بين معدلات صرف الدولار وأسعار النفط الخام، لهذا قد تتولد ضغوط على أسعار النفط الخام خلال هذا العام والعام المقبل، ما قد يؤثر سلبا في معدلات نمو عدد من الدول المصدرة النفطية.
يميل البعض إلى التشكيك في دقة بيانات وتوقعات صندوق النقد الدولي، ويرى أن هناك ثغرات في بيانات وتحليل صندوق النقد الدولي والنماذج التي يستخدمها. ويعتمد الصندوق على بيانات الدول الرسمية التي يعاني كثير منها معضلات إحصائية، ما يخفض دقة توقعاته. ومع هذا تحظى توقعات الصندوق بكثير من الاحترام والتقدير لحياديته وخبراته الطويلة وقدراته الفنية، ويتقبل معظم المراقبين توقعات الصندوق إلى حد كبير، ويرون أن هناك تباطؤا مقبلا في معدلات نمو الاقتصاد العالمي ولكن لا يمكن تحديده بالدقة التي يتحدث عنها الصندوق.

إنشرها