Author

تطوير وتنمية وتعزيز النزاهة

|


يوما بعد يوم ترسخ المملكة مكانتها وقوتها الاقتصادية بين قائمة العشرين دولة الأكبر اقتصادا في العالم، ليس في الجانب الصناعي فقط، بل في جميع قضايا التنمية. فالمملكة تأتي اليوم في المرتبة الحادية عشرة في مؤشر مدركات الفساد بين دول هذه المجموعة، وبالأمس دشن ولي العهد برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية. ومن المهم أن ندرك تلك العلاقة بين موضوعين مهمين جدا، هما: التطوير والتنمية من جانب، ومكافحة الفساد وتعزيز النزاهة من جانب آخر؛ فالمُلاحَظ دائما أن الأضعف تنمية بين دول العالم هو الأكثر فسادا، وأن الأقل فسادا هو الأقوى تنمية، وأن السعادة بين الشعوب لا ترتبط بحجم الموارد المتاحة بقدر ما ترتبط بحسن استخدامها وتوجيهها؛ ولهذا نجد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يعمل في هذه المسارات كافة بتوازن وتوازٍ، ويدرك الجميع أن الفهم الشامل للقضية الاقتصادية والتنموية واضح عند ولي العهد، وأن نظرته إلى قضايا التنمية والاقتصاد نظرة شمولية وليست قاصرة، فتدشين برنامج الصناعة الوطنية قبل يومين لا يقل أهمية عنده من تقرير قضايا الفساد، الذي تم رفعه أمس الأول إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي اطلع على التقرير المقدم من ولي العهد رئيس اللجنة العُليا لقضايا الفساد العام - المُشَكَّلة بالأمر الملكي رقم (أ/ 38) بتاريخ 1439/2/15هـ.
لقد جاء تقرير اللجنة العليا لتنهي به أعمالها، بعد أن استردت للاقتصاد السعودي 400 مليار ريال، متمثلة في عدة أصول: عقارات، وشركات، وأوراق مالية، ونقد، وغير ذلك، ومن الملاحَظ جدا طوال فترة أعمال اللجنة تلك الشفافية العالية التي انتهجتها، ووضوح العمل، سواء عندما أُعلِنت أسماء الذين تم استدعاؤهم من المناصب القيادية للتحقيق أو الإدلاء بالشهادة، والمنهجية التي تم العمل بها، بما يضمن الحقوق الأساسية للدولة من حيث التسويات، أو ضمان حق النيابة العامة في توجيه التهم الجنائية، أو حتى ضمان حق المتهمين في رفض التهم والاحتكام إلى القضاء، وهكذا انتهت اللجنة بعد أن رسخت ثقافة عامة جديدة في المملكة نحو مكافحة الفساد، ولكن مع انتهاء أعمال اللجنة، فإننا ندرك جميعا أن مرحلة جديدة من مكافحة الفساد قد بدأت فعلا بنص التوجيه السامي على تقرير اللجنة العليا لقضايا الفساد.
فقد نص توجيه الملك سلمان بالموافقة على إنهاء أعمال اللجنة وما جاء في تقريرها، مع تأكيد خادم الحرمين الشريفين استمرار الدولة على نهجها في حماية النزاهة والردع؛ لمكافحة الفساد والقضاء عليه، وأن على الأجهزة الضبطية والرقابية تعزيز دورها في ممارسة اختصاصاتها، بما يضمن الفاعلية وحماية المال العام والمحافظة عليه. وهكذا، فإن توجيه الملك يضع مكافحة الفساد في مرحلة جديدة، أساسها التأكيد على دور العمل الرقابي بشكله المستقل، وأن تعمل جميع الأجهزة الرقابية والضبطية بمستوى العلاقة نفسها في العمل الذي أسس له الأمير محمد بن سلمان أعمال اللجنة، من حيث إنه سيتم ملاحقة قضايا الفساد ومعاقبة المتورط فيها، فالأجهزة ذات الحق في الضبط القضائي والأجهزة الرقابية في الميدان ستعملان معا بتوازن وتقارب وتفاهم، وأن الثغرة في انقطاع الاتصال بين الأجهزة قد تمت معالجتها، وأن التقارب في العمل سيجعل لمكافحة الفساد بُعدا أمنيا واقتصاديا في آن واحد، فالتورط في قضايا الفساد قد يكشف عديدا من القضايا الجنائية التي لن تتهاون الدولة في شأنها، ولهذا فإن النيابة العامة التي تمارس دورها اليوم بشكل أفضل وأكثر استقلالا من الشكل السابق الذي كانت عليه، قد منح الأجهزة الرقابية مساحة في العمل والثقة بالإنجاز، مع ضرورة تطوير الأدوات، وتطوير مفهوم الردع في مكافحة الفساد، فالردع له أولوية على الاكتشاف، فالمهمة الأساسية الآن بعد أن تمت تنقية الأجواء، واكتشاف المفسدين ومعاقبتهم، هي ترسيخ النزاهة من خلال ردع الفساد، والردع لا بد أن يتضمن عديدا من الجهود الإعلامية والتثقيفية حول العقوبات الصارمة التي ستواجه المفسدين، وأن خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يتابعان جميع القضايا ذات العلاقة، وأنه لن ينجو من الفساد أي شخص. فالردع هو المرحلة المقبلة في مكافحة الفساد، وهو ما سيعزز من مكانة المملكة في المؤشرات العالمية لمدركات الفساد، ويحقق لنا وللأجيال في المستقبل حسن استثمار الموارد المتاحة، خاصة بعد أن تم تدشين برنامج الصناعات الوطنية بكل ما يحمله من طموحات كبيرة مرتفعة السقف وثروات لا حصر لها.

إنشرها