Author

ترشيد طاقة ومياه المساجد

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


سئل جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- عن الغسل -أي غسل الجسم كله-. فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا, وخير منك. يقصد النبي صلى الله عليه وسلم. وللفائدة، يساوي الصاع قرابة لترين ونصف. وكان رسول الله يتوضأ بالمد. بما يساوي تقريبا كأسي ماء متوسطتي الحجم. وهذا يوضح لنا أن نبي الله كان يقتصد حتى في استعمال الماء.
إن ترشيد الاستهلاك في كل شيء مقصد كبير من مقاصد الشرع الحنيف. إنه فضيلة وخلق يحث عليه ديننا، وهو مطلب تجب تنميته وإبراز فوائده الإيجابية على كل المستويات: الشخصي، والاجتماعي، والوطني. إنه ترسيخ لقوله تعالى: "كلوا واشربوا ولا تسرفوا".
إن من أولى الأماكن التي يُطلب فيها الترشيد دُور العبادة المساجد. مطلب لذاتها، ومطلب لأثريها التربوي والاجتماعي.
المؤسف أن الصفة الغالبة في أكثر مساجدنا وجوامعنا خاصة استهلاك ما يفوق الحاجة كثيرا في التكييف والكهرباء والإضاءة والمساحات وطريقة استغلالها. على سبيل المثال، تقام الفروض في كثير من الجوامع على المساحة التي تقام فيها صلاة الجمعة، ولكن عدد المصلين في الفروض لا يتجاوز عادة 10 في المائة من عدد المصلين في الجمعة. ماذا يعني ذلك؟ يعني: تبذيرا في التكييف واستهلاك الكهرباء.
كان مفترضا تخصيص جزء كاف من المسجد للفروض، ويعزل باقي المسجد، طبعا مع الأخذ في الحسبان عدة أمور، كتوفير مكان كاف لإقامة صلاة جماعة للمتأخرين عن الجماعة الأولى, المهم أن تدرس احتياجات المساحة التي تكيف وقت صلاة الجماعة بعناية، وتفصل المساحة الزائدة بقواطع.
مثال آخر: استهلاك الماء؛ ترى بعض المتوضئين يسرف في استخدام الماء، فيفتح الصنبور وكأنه يملأ قربة ماء، ويُقترح وضع مواصفات ومقاييس لصنابير المياه، بما يمنع نزول الماء منها بقوة، ويقترح أيضا وضع رسومات وتعليمات مرشدة في أماكن الوضوء.
مثال آخر، وجود أماكن للوضوء في أرصفة شوارع بعض المساجد. في مسجد صغير قريب من بيتي، وعلى شارع صغير، لاحظت أنه أخذ من الرصيف لبناء مكان الوضوء على جدار المسجد الخارجي، وكأنه يقال للناس لا حاجة إلى الأرصفة، هذا عمل ينبغي منعه. هناك مساحة داخل المسجد يمكن عمل أماكن الوضوء فيها، والقصد أنه حلت مشكلة وصنعت بدلا منها مشكلة كبيرة من غير ضرورة.
مثال آخر؛ وجود إسراف في إضاءة بعض المساجد.

ما المطلوب؟
أشير إلى بحث منشور عام 1421هـ عنوانه "استراتيجيات ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية في مباني المساجد..." للدكتور ناصر الحمدي، أستاذ في كلية العمارة، جامعة الملك سعود.
مطلوب خطوات مدروسة جيدا للترشيد والتنفيذ وإدارته، ووضع مواصفات عالية الجودة تحقق الترشيد للمساجد الجديدة، ولتعديل أوضاع ما يحتاج إلى تعديل من المساجد القائمة، خاصة الجوامع.
ومطلوب تحديد خطوات ومسؤوليات التنفيذ، وجهة مسؤولة عن متابعة التنفيذ وأدواته وكيفية التنفيذ بالتفصيل، ومطلوب أيضا فترة زمنية مناسبة للتنفيذ. ليس من الحكمة الهرولة في التنفيذ؛ لتصحيح أخطاء عشرات السنين.
يجب أن تُتخذ خطوات عملية في ترشيد استهلاك التكييف والكهرباء والمياه في المساجد، وعمل ما أمكن لنشر هذه الثقافة بين مرتادي المساجد، وتعريفهم بأفضل الوسائل، والممارسات والمقترحات الخاصة بخفض استهلاك الكهرباء والمياه.
ولتحقيق هذه الأهداف يُقترح توفير النشرات واللوحات التوعوية في المساجد، وإقامة دورات تدريبية، وإلقاء محاضرات توعية للأئمة والمؤذنين عن أفضل الطرق والممارسات التي يمكن تطبيقها في المساجد لترشيد استهلاك الكهرباء والمياه، والمحافظة عليها من الهدر، وإغلاق أجهزة التكييف ومصابيح الإنارة فيها عقب أداء الصلوات، ويجب تركيب القطع والأدوات المرشِّدة للمياه، والصيانة المستمرة لها، والتوسع في إنشاء مشاريع تدوير المياه واستخدامها في صناديق الطرد، إضافة إلى بحث إمكان عمل مصليات صغيرة داخل المساجد الكبيرة، من خلال فواصل زجاجية تكفي لأعداد المترددين لأداء الصلوات، حيث لا يتم تشغيل جميع أجهزة التكييف والإضاءة في المسجد، وتشغيل ما يحتاج إليه المصلون فقط، وأن تستبدل المصابيح الموجودة بمصابيح أخرى موفرة للطاقة.
مطلوب تفعيل دور المساجد في توعية شرائح المجتمع بأهمية ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه، وتطبيق معايير المباني الخضراء، وهذه أمور ركزت عليها الـ"رؤية". وبالله التوفيق.

إنشرها