FINANCIAL TIMES

فتور صناعة السيارات تجاه تقنيات القيادة الذاتية

فتور صناعة السيارات تجاه تقنيات 
القيادة الذاتية

الموجة الأولى من تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة باتت قريبة من دخول التيار العام – إلا أن البعض في صناعة السيارات وشركات التكنولوجيا لم يعد يبدو عليها الحماس الأول نفسه، في الاستمرار على الرهان هذه النقلة النوعية.
كان التغير في المزاج العام واضحا هذا الأسبوع خلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية الذي عقد في لاس فيجاس، والذي أصبح معرضا سنويا للتقنيات التي تعمل على تحويل قطاع السيارات.
قبل عامين، استغل التنفيذيون في شركة أودي هذا المعرض للإعلان عن قرب إطلاق أول سيارة تم تصميمها في ظل ظروف معينة، لتتولى السيطرة التامة وتأخذها من السائق.
في وضع القيادة الذاتية تستدعي السيارة الفاخرة أيهA 8 السائق للتدخل إن واجهت موقفا معقدا للغاية لا يمكنها التعامل معه فحسب – وهي درجة من الاستقلال الذاتي تعرف باسم "المستوى الثالث".
المستوى الثالث سيكون النقطة الأولى التي ستتحول عندها المسؤولية التامة - والمسؤولية القانونية - من السائق إلى السيارة.
غير أن الجهات المنظمة حذرة جدا حول ما إذا كان نقل مسؤولية التحكم بين السيارة والسائق يمكن أن يكون ناجحا في حالة حدوث أمر طارئ، ولم يتم قط تفعيل برمجية شركة أودي في السيارات المبيعة في الولايات المتحدة.
في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية هذا الأسبوع، لم تعد تتفاخر شركة صناعة السيارات الألمانية بالتقدم الذي أحرزته في مجال القيادة الذاتية.
بدلا من ذلك، كانت واحدة من عدة شركات تكشف النقاب عن مجموعة جديدة في الصناعة تسمى (بيف).
قال رئيس شركة أودي في أمريكا الشمالية مارك ديل روسو إن هدف المجموعة هو "تثقيف صناع السياسة" بأن "التحديات الفنية الناتجة عن تصنيع مركبات ذاتية القيادة هي تحديات قابلة للحل"، وتحقيق تطورات حقيقية في مجال السلامة على الطرق.
لعل شركات صناعة السيارات تتمنى لو أنها تصرفت في وقت مبكر بإيلاء موضوع التثقيف والسلامة على الطرق اهتماما متقدما على سباق التكنولوجيا، الذي اتسم به التدافع نحو المركبات ذاتية القيادة.
ازدادت حدة النقاش بعد أن قتِلت امرأة في ولاية أريزونا في آذار (مارس) الماضي من قبل مركبة أوبر ذاتية القيادة.
قال كريس جونز، محلل السيارات لدى وكالة كاناليس، بشأن المستوى الثالث الذي يلوح في الأفق: "إنه مستوى قيادة ذاتية يسبب الذعر لشركات صناعة السيارات، لكنه أيضا يخيف المشرعين والجهات المنظمة".
وافقه الرأي مايك رامزي، المحلل لدى وكالة جارتنر، قائلا إن التكنولوجيا لم تعد هي العامل الذي يفرض القيود: "الإطار التنظيمي هو مشكلة بحاجة ماسة إلى تسويتها أكبر بكثير من أي من تلك الأنظمة. سيلزم أن يكون هنالك بعض الوضوح حول ما هو قانوني وما هو غير قانوني".

سباق نحو المستوى الثالث

فكرة سيارة ذاتية القيادة يمكنها إعادة السيطرة لإنسان دون إشعار مسبق بوقت كاف دائما ما كانت تحدِث الانقسام في صناعة السيارات.
شركات صناعة السيارات مثل تويوتا وفولفو وفورد، إضافة إلى وايمو، التي بدأت العمل كمشروع للسيارات ذاتية القيادة تابع لشركة جوجل، كانت متشككة بشكل منهجي حول فكرة المستوى الثالث، قائلة إن من الأفضل من حيث السلامة الانتظار لفترة أطول لتحقيق أشكال أكثر تقدما من القيادة الذاتية، بدلا من عدم الاحتياج أبدا إلى التدخل البشري.
شركة ديملر للشاحنات، أكبر شركة لتصنيع المركبات التجارية في العالم، كذلك أدارت ظهرها لفكرة المستوى الثالث هذا الأسبوع.
قال ناقدون أمثال مارتن داوم، الرئيس التنفيذي للشركة، إن التكنولوجيا أرسلت رسالة مشوشة إلى السائقين: تم تشجيعهم على تحويل اهتمامهم إلى شيء آخر غير الطريق، لكن من المتوقع منهم في الوقت نفسه أن يصبحوا مستعدين لاستعادة السيطرة في أية لحظة.
مع ذلك، لا يزال التنفيذيون الآخرون متفائلين إزاء هذه التكنولوجيا. قال ديرك فيسلمان، المهندس الأعلى في شركة بي إم دبليو، إن مركبة آي نيكست التي ستصنعها الشركة في عام 2021 ستتميز بتكنولوجيا مستوى ثالثتمنح المركبة قيادة دون الحاجة إلى استخدام مقود أو دواسة.
وهو يتصور أن يتمكن السائق من مشاهدة الأفلام أثناء رحلة السيارة عبر الطريق السريع، وستعمل على تنبيه السائق باستعادة السيطرة عليها في حالة مرورها بمنطقة بناء أو التعرض لسوء الأحوال الجوية.
وقال: "إن لم يأخذ السائق السيطرة، ستتمكن السيارة من التوقف بأمان".
رغم الاختلافات في الآراء، توصلت كثير من شركات صناعة السيارات مع ذلك نفسها عالقة في سباق تنافسي نحو المستوى الثالث.
كان هذا صحيحا بصفة خاصة بالنسبة للشركات التي تنتج السيارات الفاخرة الأغلى ثمنا، حيث بدأت المستويات المتزايدة باستمرار من حيث مساعدة السائق والقيادة الذاتية، مثل التحكم التكيفي لسرعة المركبة وتجنب الاصطدام، والالتزام بالمسرب على الطرق السريعة.
يرى كثيرون أن الخطوة الحتمية التالية هي القيادة الذاتية التامة، حتى وإن كان ذلك في ظل ظروف محدودة مثل القيادة على الطرق السريعة أو أثناء الاختناقات المرورية.
ازدادت حدة المنافسة من قبل إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا الذي جعل هذا المستوى واحدا من أهداف شركته الرئيسية.
يقدر جونز في وكالة كاناليس أن "أكثر من ثلثي" زبائن شركة تسلا يدفعون 5 آلاف دولار ثمنا لبرنامج الشركة Autopilot، المستوى الحالي الأقل في مساندة السائق - وهذا دليل على كيفية جعلها هذه التكنولوجيا المتقدمة مرادفة لعلامتها التجارية. ربما يكون ماسك متأخرا لسنوات في تحقيق وعوده بشأن القيادة الذاتية التامة، لكن ليس أمام الشركات المنافسة الكثير من الخيارات سوى محاولة التطابق معه، بحسب ما قال رامزي من وكالة جارتنر.
مع ذلك، وعلى أعتاب المستوى الثالث، تحول التركيز في معرض الإلكترونيات هذا الأسبوع نحو أهداف أقل طموحا - وأقل إثارة للجدل - مثل تعزيز التكنولوجيا دون الوصول إلى أهم مسألة في الموضوع، وهي تسليم المسؤولية. سيؤدي هذا إلى "توسيع نطاق" أنظمة مساعدة السائق الرائجة اليوم، بحسب ما قال إيريتز داجان، مؤسس شركة موبايل آي التي استحوذت عليها شركة إنتل في عام 2017، وتقدم اللوازم لكثير من شركات صناعة السيارات. تشتمل القدرات الجديدة على جلب الالتزام بالمسرب من النوع الشائع على الطرق السريعة إلى شوارع وطرقات المدن التي تعاني ضعف في تنظيمات المسارب، وتعليم السيارات كيفية التنقل عبر التقاطعات الصعبة. قد يتبين بأن هذا التفاف مكلف بالنسبة لشركات صناعة السيارات، فأنظمة مساندة السائق الشائعة اليوم تتطلب وجود برمجية بسيطة فقط مثل وجود كاميرا أمامية للكبح الآلي. توسيع نطاق الإمكانات لتناسب مواقف أكثر صعوبة يعني إضافة كاميرات مواجهة للمنطقة الخلفية، وأجهزة استشعار مثل الرادار والليدار التي يمكنها تكوين صورة لكل شيء يحصل حول السيارة.
كما يعني أيضا زيادة عبء تشغيل الطاقة والبرمجيات من أجل دمج كل البيانات الجديدة والاستفادة منها. قال داجان إن من المشكوك فيه ما إذا كان العملاء سيتحملون هذا التغير الكبير في التكاليف، إن كان سيجلب لهم تحسينات تدريجية ضئيلة فحسب.
ثمة تحول آخر في التركيز في معرض الإلكترونيات كان التركيز على تطبيقات السلامة الجديدة، في الوقت الذي تبذل فيه الصناعة جهودا متجددة لإقناع الزبائن والمنظمين، بأن تكنولوجيا القيادة الذاتية جاهزة لدخول السوق العامة.
قال آمنون شاشوا رئيس شركة موبيل آي، إن إحاطة السيارات بأجهزة الاستشعار وتسليحها بخرائط الطرق المفصلة يمكن أن يمنحها القدرة على تحديد الوقت الذي ستصبح فيه الظروف خطيرة على الطرقات.
وهذا قد يؤدي إلى وجود شكل جديد من "الكبح التنبؤي" حيث تبطئ السيارة سرعتها تدريجيا عند زيادة الخطر، أو التقليل أو حتى القضاء على فرص الاصطدام بالسيارة التي في الأمام. قال جيل برات، رئيس معهد تويوتا للبحوث: "لدينا جميعا التزام أخلاقي لتطبيق تكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة، لإنقاذ أكبر قدر ممكن من الأرواح بقدر استطاعتنا".
كانت شركة صناعة السيارات اليابانية، التي ستستحدث ميزة تفادي الاصطدام جارديان لسياراتها بدءا من عام 2020، أسبق من غيرها في جعل ميزات السلامة المعززة الهدف في الجهود الأولى التي بذلتها في تكنولوجيا القيادة الذاتية. مع التحول إلى المستوى الثالث وتعرض قطاع القيادة الذاتية للمشاكل، فإنه نهج بدأ كثير من الشركات في هذا القطاع بأن يأخذه على محمل من الجد.

رهان على «التواصل التام
مع كل شيء»

في الوقت الذي تقدم فيه السيارات ذاتية القيادة وعودا بتحقيق تقدم جذري في تخفيض عدد الإصابات والوفيات الناجمة عن حوادث الطرق، تقول صناعتا التكنولوجيا والسيارات إن التقنيات التي لم تصل إلى مرحلة القيادة الذاتية التامة، إلا أنه سيكون لها تأثير عجيب في تحسين أمور السلامة. التقنية الخلوية أي تكنولوجيا التواصل التام مع كل شيء C-V2X، هي السمة الكبرى لإعلانات المركبات خلال معرض الإلكترونيات في عام 2019، حيث تقول الشركات إنها ستساعد في التقليل من عدد الوفيات والإصابات البالغ 1.35 مليون حادثة على الطرق في كل أنحاء العالم سنويا، وتخفيف حالات الازدحام.
التقنية المعروفة اختصارا بـ"سي-في2إكس" C-V2X تسمح للمركبات بالتواصل مع بعضها البعض، ومع المشاة والبنية التحتية للنقل، مثل إشارات المرور.
تعني التكنولوجيا أن السيارات تستطيع أن تستشعر نية المركبات الأخرى، وأن تنتبه للمشاة الذين على وشك عبور الطريق، وأن تتعلم وتتصرف مع المشاكل الموجودة أمامها والبعيدة عنها. أعلنت شركة فورد في المعرض أن جميع مركباتها سوف تشتمل على تلك التقنية في 2022، لتصبح بذلك أول شركة تقدم التزاما من هذا النوع.
العروض التي قدمتها شركات كوالكوم وسامسونج وإل جي اشتملت كذلك على "سي-في2إكس". سيتم إدماج هذا المعيار في الهواتف الذكية وفي الأنظمة داخل السيارات واللوحة الأمامية، الذي سيتم تطويره من قبل شركات التكنولوجيا، وستستعين الشركات عند نشره بشبكات الجيل الخامس اللاسلكية الجديدة عند تركيبها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES