Author

المخاطر تحدق بالنمو العالمي

|

هناك مخاطر متعددة على الاقتصاد العالمي، ما يدفع في اتجاه انخفاض النمو بصورة مقلقة. وعلى الرغم من أن النمو يبدو حاليا مستقرا إلى حد ما، إلا أن المؤشرات كلها تدل على أنه معرض لتراجع سيكون كبيرا، إذا ما استمرت الأوضاع الاقتصادية -أو لنقل السياسات- على حالها على المستوى الدولي. صحيح أن الكساد لا يزال بعيدا عن الاقتصاد العالمي -بحسب كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي- لكن الصحيح أيضا أنه لا توجد ضمانات على عدم حدوث هذا الكساد في المدى المتوسط، خصوصا أن هذا العالم خرج للتو من الآثار الخطيرة التي خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. يمكن القول إن مؤشرات النمو العالمي لا بأس بها، ولكنها ليست مضمونة الثبات في المرحلة المقبلة.
لا شك أن هناك عوامل كثيرة للمخاطر التي تستهدف النمو العالمي، وفي مقدمتها بالطبع ارتفاع الديون الحكومية على المستوى العالمي، وهذا ينشر أجواء متصاعدة من عدم اليقين على الساحة، إضافة أيضا إلى المعارك التجارية التي تجري حاليا بين بلدان محورية متقدمة على الساحة الدولية، خصوصا تلك القائمة بين الولايات المتحدة والصين، فضلا عن تلك التي يتعارك فيها الأمريكيون والأوروبيون، لكن يبقى الدين العام العامل الأخطر على النمو. ومن هنا، يمكن فهم مطالبة صندوق النقد الحكومات بالعمل الجاد على خفض ديونها في أسرع وقت ممكن، ولاسيما بعد أن وصلت في بعض البلدان إلى ضعف نواتجها المحلية الإجمالية، ومن هذه البلدان ما تتمتع بأكبر الاقتصادات على وجه الأرض.
ورغم أن مخاطر انخفاض النمو متفاوتة بين بلد وآخر، إلا أن الصين لا تزال متصدرة مشهد الهبوط؛ فالاقتصاد الصيني سجل في غضون ثلاثة أشهر ثاني تراجع، مع تباطؤ أكثر من المتوقع بحسب كل المؤسسات الاقتصادية العالمية، وهذا يسبب أرقا حقيقيا لهذه المؤسسات، ناهيك عن الفوضى التي تسببت فيها حتى الآن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ فهذه العملية باضطراباتها التفاوضية تسهم مباشرة في اتساع رقعة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، إضافة طبعا إلى عدم وجود تفاهمات حقيقية بين الأطراف التجارية المتخاصمة، بصرف النظر عن بعض التصريحات الرسمية هناك وهناك، التي تهدف إلى تخفيض الضغوط والمخاطر، دون وجود تحولات حقيقية في المشهد.
وعلى الرغم من ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد العالمي نموا في العام الجاري بمعدل 3.5 في المائة، و3.6 في المائة العام المقبل، بانخفاض 0.2 في المائة عام 2019 و0.1 في المائة عام 2020. وفي كل الأحوال، سيبقى "التوتر" الاقتصادي العالمي في الأشهر القليلة المقبلة لأسباب عديدة، منها: عدم اليقين في منطقة اليورو، ولاسيما في ظل موضوع الخروج البريطاني من الاتحاد، وعدم وجود سياسات واضحة لدى الحكومات في مسألة الحد من ديونها، ولا وجود لمؤشرات تدل على إمكانية وقف المعارك التجارية الحالية، وليست هناك حلول فورية في هذا المجال، إلا التعاون الدولي والسيطرة الحقيقية على الديون الحكومية. فانخفاض النمو ليس خطيرا هنا أو هناك، ولكن استمرار انخفاضه يمثل مخاطر كبيرة على المدى البعيد، علما بأن الاقتصاد العالمي لا يتحمل أي أزمات جديدة، وهو لم يلبث أن خرج من واحدة كانت الأسوأ في التاريخ الحديث.

إنشرها