FINANCIAL TIMES

دليل محو أمية النشء المالية قبل الميراث.. في العصر الرقمي

دليل محو أمية النشء المالية قبل الميراث.. 
في العصر الرقمي

دليل محو أمية النشء المالية قبل الميراث.. 
في العصر الرقمي

دليل محو أمية النشء المالية قبل الميراث.. 
في العصر الرقمي

في قراءة حديثة لإحدى الوصايا، تلقى الابن الوحيد وثلاث بنات هن شقيقاته من الوالد المتوفى صدمة بالغة الحدة والشدة، كانت الوصية تنص على أن يرث الابن الأعمال، مع حرمان البنات بعدم حصولهن على شيء يذكر.
حتى فتح الوصية بعد رحيل الوالد لم يكن لدى أي من ورثة الرجل، لا الولد الوحيد ولا البنات الثلاث أي فكرة عن خطط والدهم في شأن التوريث، بعد الرحيل.
على أن ذلك الوضع المؤسف، بدلا من أن يؤدي إلى نزاع عائلي غير سار على شاكلة الحرب، إذا بالنتيجة تتكلل في نهاية المطاف بمنتهى السعادة.
الواقع أن الابن كان قد خاطب مستشاره للثروة، وقال له بوضوح إنه يريد أن يتقاسم كل شيء بالتساوي مع شقيقاته. ما كان منهن بالطبع سوى أن وافقن بدون تردد، على العرض الأريحي من شقيقهن الوحيد.
على أن مستشارين قانونيين مختصين بقضايا التركات والميراث لبعض أكثر العائلات المعروفة بالثراء في العالم، يرون أن الأمر المدهش الوحيد ليس تنازل الابن عن طيب خاطر عن حقه، وارتضائه القسمة بالتساوي مع شقيقاته، بل هناك بعد مدهش آخر في شأن هذه القصة التي تزخر بالمفاجآت.
الابن سيرث أكثر من البنات في هذا العصر والأوان – وهذا أمر لا يحدث إلا في حالات أقل بكثير، بالذات ضمن العائلات الأكثر ثراء في معظم أنحاء العالم.
وأضافوا أن ما كان شائعا هو أن الأطفال لا يكتشفون من سيرث ماذا؟ إلا بعد وفاة والدهم بالذات، أو غيره ممن قد يرثونه، سواء أكانت الوالدة أم فردا أو أكثر من الأقربين.
ويفلسف المستشارون الوضع بالإشارة إلى ما يرون أنه قدر من تعقيدات مسألة شائكة تدور حول كيفية التحدث مع أطفالك عن ثروة العائلة، والمخاوف بشأن الطريقة التي يمكن أن يتأثروا بها، عقب التصريح.
إنها مصدر القلق الأول بالنسبة للعملاء الأغنياء، والتي تتقدم بكثير على المخاوف بشأن كيفية استثمار محافظهم أو القضايا الضريبية.
وعلى الرغم من معرفة أنه ربما ينبغي عليهم إيجاد وقت للقيام بذلك، إلا أن كثيرا من الأغنياء، فرادى أو عائلات، يختارون عدم اتخاذ أي إجراء في ذلك الشأن، ما يتسبب في مفاجأة أطفالهم عندما يموتون.

مخاوف من انحراف النشء
غالبا ما يكون السبب في تجنب إجراء المحادثة هو التخوف من أن الأطفال سينحرفون عند معرفة أن هناك ثروة.
يخشى الآباء من أن التصريح للأطفال بمآلات التوريث قد يدفعهم إلى أن يكونوا كسالى أو غير راغبين في العمل، أو حتى قد تدفعهم إلى مسار الانغماس في ملذات الانحراف من شاكلة إدمان المخدرات، من باب نوع مشوش من التفكير المندفع نحو الاطمئنان إزاء تصاريف المستقبل، بعد ما يبدو وكأنه صك ضمان سابق لها.
في المقابل، يمكن أن يكون عدم إعلام الأطفال عن المال الذي قد يرثونه في المستقبل، ذا أثر معاكس عندما يرثون.
عندما سئلت مجموعة ممن يفترض أنهم سيصبحون وارثين أثرياء عن أسوأ ما يمكن أن يحدث لهم فعلا، كان أحدهم صريحا في إجابته: "الموت"، كما يقول أوليفر جريجسون، رئيس بنك جيه بي مورجان برايفت في لندن.
إدمان الكحول، والمخدرات، و"دخول حالة من الفوضى" هي أمثلة – وإن كانت متطرفة وغير عادية – وهي كلها ضمن حالات شهدها في حياته المهنية عندما لا يكون الأطفال مستعدين بشكل مناسب لضخامة المال الذي سيرثونه.
مستشار آخر قدم مثالا عن صاحب مشاريع يشعر بالقلق حول كيفية توريث أمواله لأطفاله، الذين قال عنهم بوضوح: إنهم قد "أثبتوا له مرارا وتكرارا، وبما لا يدع مجالا للشك، أنهم طائشون للغاية في الماضي".
يقول المستشار عن أطفال الرجل ذاك: "ينهمر المال من أيديهم مثل الماء، لأنهم لا يرون أي قيمة فيه. من واقع شخص جمع المال بنفسه وخرج من خلفية فقيرة للغاية إلى هذا الوضع الاستثنائي من الثروة، فإن هذا يمثل وضعا صعبا للغاية.
وهناك عنصر من الندم من أنهم لم يشاركوه الأمر منذ وقت سابق. وفيما تعتقد أنك تساعد شخصا ما من خلال إبعاده عن الشأن المالي أو إقحامه في الأعمال التي تباشرها، تكتشف في النهاية أنك تفعل العكس" بالحصول على شخص لا مبال، على أقل تقدير، في نهاية المطاف، إن لم يكن شخصا لا يجيد سوى سوء التصرف.
هيلين واتسون، الرئيسة المشاركة لشركة روثشايلد آند كومباني لإدارة الثروات تقول إن العملاء غالبا ما يشعرون بالقلق من التصريح بأكثر من اللازم عن الثروة التي سيرثها أطفالهم، خوفا من أن الصراحة ستعمل على خنق طموحات النشء، و"تزيل عنهم دافع الحرص على الخروج باكرا من السرير في الصباح".
"مع ذلك، إذا كانوا سيرثون ثروة لا يستهان بها، فإن إعلام الجيل التالي هو أفضل بكثير من عدم القيام بذلك. التحدث عن الميراث بشكل معقول هو الخطوة الأولى في نقل المعرفة وتوفير الأدوات للتعامل معها بشكل مسؤول".
جيمس جلادستون، رئيس قسم تخطيط الثروات في "كازينوفا كابيتال"، يقول إن الناس ليسوا سواء، ذلك أن هناك بعضا من العملاء ممن يبدون حرصا، يقل أو يزيد، على التعامل بجرأة مع الموقف وإعلام أطفالهم، بينما يفضل آخرون، بطبيعة الحال، تجنب التطرق إلى تلك المسألة بالكامل، إلا لماما.
إن "طبيعة الثروة تكمن فيها بالضرورة مسؤولية تتضمن الانخراط والعمل، غير أن بعض الناس لا يريدون ذلك" على حد تعبيره.
"في ظل شركة عائلية، إذا كان لديك طفل، فإن مما لا معنى له اختياره ودفعه دفعا إلى مجال الأعمال دونما إعداد. نفس الشيء ينطبق في حالة الوراثة: فرص الفشل مرتفعة جدا، إذا لم يتم إعداد الشباب للواقع المترتب على أنهم باتوا من الورثة".

ثقافة شفاه مطبقة؟ أم دليل "جيه بي مورجان"؟
هناك بعد آخر، وهو أن المسألة قد تكون ثقافية أيضا. العائلات البريطانية، على سبيل المثال، تجد صعوبة أكثر في الحديث عن المال مقارنة بمثيلاتها من العائلات الغنية في بلدان أخرى، وذلك وفقا للوسي برتويسل، وهي زميلة أولى في مكتب ستونهيج فليمنج المختص بالعائلات المتعددة: "القدرة على التكتم لا تزال هي المسيطرة على ثقافة عائلات الأثرياء" في المملكة المتحدة.
يقول المستشارون إنه بالنسبة للمستعدين والراغبين في التحدث مع أبنائهم عن الميراث، لا يوجد عمر مناسب.
على أن هناك ما يشبه الإجماع ضمن المستشارين في شأن تحديد اللحظة الفارقة لنقل الرسالة إلى النشء، إذ إن معظمهم يرون أنه ينبغي أن يتم ذلك بالتأكيد في وقت ما، في مرحلة البلوغ المبكر.
تقول برتويسل إنه ربما ينبغي أن يحدث ذلك قبل الشروع في أي علاقة جدية، حتى لا يكون اتفاق ما قبل الزواج بمنزلة مفاجأة – كي لا ينظر إلى الأمر على أنه رفض لخيار طفل الشريك.
يقول المستشارون إن المفاهيم الرئيسية للعناية بأموالك أو بالأموال عموما يمكن تقديمها إلى الأطفال في عمر ثلاثة أعوام.
بنك جيه بي مورجان برايفت قدم أخيرا دليلا مفصلا لعملائه في هذا الخصوص– وهي فئة يغلب عليها إيداع نحو عشرة ملايين جنيه في المصرف– لمساعدتهم على التحدث إلى أبنائهم عن ثرواتهم.
بالنسبة للأطفال، الذين تراوح أعمارهم بين ثلاثة وخمسة أعوام، يوصى بتقديم حصالة النقود ومفهوم الادخار.
بمجرد أن يصبح الطفل في التاسعة من العمر، ينبغي أن يفتح له حساب توفير، وفي عمر الـ12 عاما، ينبغي تشجيع الطفل على الادخار لهدف طويل الأجل، مثل رحلة صيفية وتشجيعه على لعب ألعاب البورصة للتعلم عن الاستثمار. بحلول 15 عاما، ينبغي تشجيع الطفل على الادخار لنفقات الجامعة، أما في عمر الـ19 عاما، فإن مواضيع مثل الأعمال الخيرية والقيم العائلية والأمن السيبراني ستعد هي المناسبة، وذلك وفقا للدليل.

الأطفال سيعرفون.. فعلام التكتم؟
يقول جريجسون "سيعرف أطفالك عن ثروتك من الأصدقاء وأشخاص آخرين، سواء أعجبك ذلك أم لا. إذا صدمتك حافلة يوم غد، لا سمح الله. كيف تشعر بشأن قيام أطفالك بوراثة 100 مليون جنيه؟ الأطفال باتوا أكثر وعيا بكثير من الناحية المالية من خلال التصفح على الإنترنت ومدركين رقميا، وهذا يتطلب تغييرا في النهج حول كيفية إعلامهم بالأمر والتحدث معهم".
في بعض الأحيان، تبدو النصيحة من "جيه بي مورجان" نافذة كاشفة على حياة الأغنياء بحق.
إحدى "الألعاب" هي السماح للأطفال بوضع ميزانية لعطلة العائلة. ويمكن أن يشتمل ذلك على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيستخدمون طائرة خاصة؟ أم القيام برحلة على الدرجة الأولى أو الاقتصادية، وما إذا كانوا سيقيمون في فندق خمس أو أربع أو حتى ثلاث نجوم، ومعرفة سبب الاختيار، بالإلحاح على: لماذا؟
بيد أن فكرة معرفة الطفل بتكاليف الطائرة الخاصة – أو حتى أن وسيلة النقل موجودة – يمكن أن تثير رعب بعض من الآباء.
آخرون قد يكونون أثناء فقاعة الثروة غير مدركين للرسالة التي يرسلها نمط حياتهم لأطفالهم.
يروي أحد المستشارين قصة عن طفل كان والداه يشعران بالقلق حول كيف ومتى يخبرانه عن ثروة العائلة.
عند إعلامه بالوضع، قال إنه كان في الأصل "يفهم الأمر"، بالنظر إلى أن طائرة نفاثة خاصة، كانت تنقله إلى المدرسة الداخلية في كل فصل دراسي.
في الواقع، من المرجح أن يكون الجيل التالي أكثر وعيا من الناحية المالية، ما قد يدركه آباؤهم – خاصة في العصر الرقمي.
في أحد الاجتماعات العائلية، اتضح أن طفلا يبلغ من العمر 14 عاما كان قادرا على البحث عن حسابات شركة العائلة على الإنترنت، وكان لديه من الأسئلة المفصلة عن الميزانية العمومية. لقد "كان الأمر مذهلا" للعائلة، على حد تعبير برتويسل.
يشير جلادستون إلى أنه "غالبا ما يفاجأ الآباء والأمهات من الاستجابة عالية المستوى التي يحصلون عليها من أطفالهم – فغالبا ما يدركون حقيقة وجود المال على أية حال، خاصة إذا كانت الأسرة تعيش حياة مريحة".

تقديم ميثاق عن اكتساب الثروة
بالنسبة للأشخاص المستعدين لإجراء المحادثة، فإن إيجاد شعور بالقيم العائلية قد يكون هو الأساس.
هذا يمكن أن يشتمل على كتابة ميثاق للعائلة – الذي قد يقدم نبذة تاريخية حول كيف تم اكتساب الثروة، وما القيم التي يملكها الفرد لعائلته، وتأثير تلك الثروة على عائلتهم والمجتمع من حولهم؟
مقتطفات من المواثيق العائلية التي اطلعت عليها صحيفة فايننشيال تايمز تشتمل على البيانات التالية "شعار الجد كان يدور حول الصدق والنزاهة والإيمان بمساعدة الذين هم أقل حظا"؛ "كونوا حذرين من الذين يهتمون أكثر من اللازم بشؤونكم المالية"؛ "كونوا كتومين"؛ و"احكموا على الآخرين من شخصياتهم، وليس بمقدار ما يملكون من المال".
يقول جلادستون إن مواثيق العائلة "تمنح الأطفال إطارا للعمل فيه بدلا من أوراق فارغة تماما.
هذا لا يعني أنه لا يمكنهم تغييرها مع مرور الوقت – قد تكون لديهم وجهات نظر مختلفة جدا عن آبائهم – إلا أنه بشكل عام، يعني ذلك أن المال سيدوم لفترة أطول".
يقول جلادستون إن بدء المحادثة ينبغي أن يتضمن أيضا سؤال الأطفال عما إذا كانوا يريدون المال، فبعضهم مستقل بشدة وقد لا يرغبون في أن يدفع آباؤهم رسومهم المدرسية.
المصارف الخاصة وشركات إدارة الثروات غالبا ما تقيم مناسبات أيام استثمارية، حيث يستطيع الأطفال المشاركة فيها أيضا، وحيث يتم شرح المفاهيم الأساسية للمدخرات والاستثمار والأعمال الخيرية.
في شركة روثشايلد وكومباني، يكون مستشارو الثروة في بعض الأحيان حاضرين في الاجتماعات العائلية، حين يتم إخبار الأطفال عن صناديق الائتمان "الخاصة بهم".
تقول واتسون "يمكننا أخذ دور العم أو العمة "الودودون" في هذه الحالات، لمساعدة الأطفال البالغين في خطط الإنفاق، على سبيل المثال. هذه مسألة لديها ميزة إخراج الآباء والأمهات من المحادثات الصعبة، إلا أنه يمنح الثقة لكلا الجيلين".
بعض المصارف، مثل "ويذربايز"، تستخدم مستشارين صغارا للتحدث مع الجيل الأصغر.
روجر ويذربايز، الرئيس التنفيذي، يقول إن الأطفال "يشعرون بالخوف من احتمال التحدث مع شخص أكبر عمرا بكثير منهم، وغالبا ما لا يرغبون في التحدث على الإطلاق. فهم يفضلون تلقي المعلومات رقميا، ومن ثم الاتصال إذا كانوا يريدون مزيدا من الشرح".
طريقة أخرى لإثارة اهتمام الأطفال وإشراكهم في موضوع ثروة العائلة، هو من خلال التبرعات والأعمال الخيرية أو الاستثمار المستدام.
ريني هور، وهو شريك لدى المصرف الخاص سي هور وشركاه، يقول إن أهم أداة من أجل إعداد وإطلاع العائلات حول الثروة هو الأعمال الخيرية.
ويقول "إشراك الأطفال في الأعمال الخيرية يعلمهم التعامل مع المستشارين، ويجعلهم يفهمون مشاعرهم ويدركون المسؤوليات التي تترتب على ثرواتهم".
هناك شيء يتفق عليه المستشارون وهو أن معظم الأطفال، حين يقال لهم إنهم سيرثون ثروة لا يستهان بها، يشعرون بثقل المسؤولية الذي يمكن أن يصاحبه قدر كبير من التوتر. ويقول أحدهم "ربما يبدو الأمر مثل الجنون، لكني لا أود أن أكون محل عملائي. حياتي أبسط بكثير من ذلك".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES