FINANCIAL TIMES

«ويلز فارجو» .. شكوك تلازم إحياء أيقونة أفسدها الانحراف

«ويلز فارجو» .. شكوك تلازم إحياء أيقونة أفسدها الانحراف

«ويلز فارجو» .. شكوك تلازم إحياء أيقونة أفسدها الانحراف

يعتقد تيم سلون أن "ويلز فارجو" هو أفضل مصرف في العالم. بعد أكثر من عامين من عمله رئيسا تنفيذيا لهذا المصرف الذي عصفت به الفضيحة، يسارع في تقديم أدلة - نمو الودائع ونمو القروض والعائدات - ليبين أنه في الوقت الذي أصيب فيه بجراح نتيجة الجدل، إلا أنه آخذ الآن في التعافي.
مع ذلك، فإن وجهة النظر من خارج المصرف مختلفة للغاية، في النظرة إليه. في مقابلات مع صحيفة فاينانشيال تايمز، يتحدث عشرات المستثمرين والأكاديميين والمنافسين والموظفين عن علامة تجارية تعرضت للتشويه، وقوة عاملة مترددة بسبب الخوف من ارتكاب الأخطاء نفسها المرتكبة في الماضي، والصعوبة الهائلة في إنهاء واحدة من أبشع الفضائح المصرفية، في حقبة اتسمت بحصول كثير منها.
ثقافة البيع الشرسة التي لا ترحم في قسم التجزئة، كانت جراء حوافز منحرفة أسهمت في فتح الموظفين ملايين الحسابات المزيفة، بل والغش في بيع منتجات أخرى، تم تجاهلها أو عدم الاكتراث بها من قبل الإدارة العليا، إلى أن ظهرت القصة للعيان في عام 2016.
وكان الرد الأول للمصرف عندما برزت المشكلات، هو تسريح جماعي للموظفين في المستوى الأدنى، حيث تم طرد أكثر من خمسة آلاف موظف.
لم يتم إجراء أي إصلاح شامل في مجلس الإدارة، إلا بعد أن فشلت نظرية التفاحة الفاسدة، فحسب، "أي تلك التي أتلفت التفاحات الأخرى في الصندوق" في إقناع الجهات المنظمة أو السياسيين أو الجمهور، فكان أن تم استبدال كبار المسؤولين، وبذل جهود لوضع نظام جديد لثقافة المصرف.
تتواصل حالات أخرى من السلوك السيئ التي كانت موجودة في الماضي، ولا يزال المصرف يتعرض لتدقيق تنظيمي أكثر صرامة من أي مصرف أمريكي آخر في الذاكرة الحديثة.
قال رجال سياسة بارزون "إن سلون، الذي كان يتولى إدارة قسم مصرفية الجملة في المصرف، في الوقت الذي كانت تجري فيه عمليات الغش في البيع، لا يصلح لرئاسته".
يتعامل سلون مع كل هذا بكل هدوء، على نحو ينسجم مع ما يصفه أحد الزملاء بأنه أسلوب شخص "رابط الجأش وواقعي من الغرب الأوسط".
ويضيف "عندما يترشح أي رجل سياسة لنيل منصب ما، وعندما يفعل ذلك فهو إما سيذكرنا أو لا يأتي على ذكرنا، إلا بقدر ما يكون هذا الأمر مفيدا له في انتخابه. نحن نتفهم ذلك، فهذه هي طريقتهم".
رباطة الجأش هذه تنبع، جزئيا، من أداء المصرف الذي كان مطردا بشكل ملحوظ، نظرا إلى حجم الفضيحة. تقييم المصرف في الوقت الذي لم يعد فيه بمستوى ممتاز، هو على قدم المساواة مع غيره من المصارف الأمريكية الكبرى، خاصة أن بعض علامات مبكرة الدالة على وجود نمو، قد بدأت في الظهور.
على أن بنك ويلز فارجو يعتبر نفسه أكثر من مجرد مصرف: فقد كان على رأس الصناعة من حيث العوائد والتقييم والسمعة. التساؤل هنا هو ما إذا كان بإمكانه الوصول إلى تلك المستويات المرموقة مرة أخرى. وفي هذا المجال، يواجه سلون جمهورا متشككا للغاية.
يقول ديف إليسون، مدير محافظ استثمارية لصندوق هنسي لارج كاب فاينانشيال فند Hennessy Large Cap Financial Fund ومستثمر في الشركات المالية منذ 30 عاما "مع تلك الأنواع من القصص، لا تستعيد الشركات مكانتها المرموقة مرة أخرى أبدا. هنالك أماكن أخرى يذهب إليها الناس. الآن، أصبح بنك ويلز مجرد مصرف كبير آخر مثل الأخرى".
بيري بيلوس، رئيس مصرفية الجملة في بنك ويلز، يتحدث عن "بنك ويلز فارجو القديم" بأنه "شركة كانت تفخر بنفسها في مجال اتخاذ القرارات اللامركزية. وهذا أمر جيد بالنسبة إلى أمور محددة، لكنه ليس بالأمر الجيد لأمور أخرى. المشكلة أننا فعلنا ذلك في كل الأمور".
هذا الوصف ربما يهوِّن من بعض المشكلات التي يواجهها المصرف. ثقافة ريادة المشاريع، حيث يترك المجال لأقسام المصرف والمديرين اتخاذ القرارات ومتابعة النمو استجابة للظروف المحلية، اتسع نطاقها ليصل إلى الضوابط والامتثال.
لقد كانت هناك ثقافة قوية قائمة على إدارة المخاطر الائتمانية، وفي المقابل كانت هناك ثقافة ضئيلة من إدارة المخاطر التشغيلية.
أثارت الفضيحة تساؤلا مثيرا للقلق: ماذا لو تبين أن الهيكل الإداري المسؤول عن نجاح بنك ويلز في الماضي غير مستدام في نهاية المطاف؟ من حيث السمعة، كان المصرف الأفضل في تقييم مخاطر الائتمان، وحظي بامتياز أقوى في قبول الودائع أكثر من أي مصرف آخر.
لقد كان واحدا من المقتنيات "الأربعة الكبرى" في "بيركشاير هاثاواي" جنبا إلى جنب مع شركات أمريكان إكسبرس وكوكا كولا وآي بي إم، وكان وارن بافيت قد أشاد بإدارته "الرائعة والمميزة".
ظهرت آثار هذه السمعة في تقييم الأسهم. في مطلع عام 2016، تم تداول أسهم بنك ويلز بقيمة تصل إلى ضعفي قيمتها الدفترية الملموسة، في حين تم تداول أسهم كل من بنك أوف أمريكا وبنك جيه بي مورجان بقيمة تراوح ما بين ضعف ونصف وضعفين. الآن، يتراجع مستوى التداول في بنك ويلز لمستوى أقل من بنك أوف أمريكا، فيما ارتفع مستوى التداول في بنك جيه بي مورجان ليصبح المصرف الأمريكي الكبير الوحيد، الذي يتم تداول أسهمه بقيمة تبلغ ضعف القيمة الدفترية الملموسة.
يعتقد جيرارد كاسيدي، محلل مصارف في وكالة آر بي سي، أن هيكل بنك ويلز اللامركزي بشكل جذري، الذي أدى به إلى التعرض للفضيحة، كان أيضا واحدا من الأسباب وراء هذا التاريخ من النتائج المالية القوية.
"لا أرى أن هنالك عودة إلى التقييمات الممتازة بسبب الأسلوب المتبع في تنفيذ الأعمال الآن، فهم أدخلوا عمليات تشكل عائقا أمام تلك الربحية الممتازة، وقرارات الضمان المتخذة لم تكن مركزية، وهذا نظام فريد من نوعه ما ساعد على تحقيق ذلك الفائض من العائدات".
بينما يعمل بنك ويلز من أجل الانسجام مع معايير الصناعة من حيث الضوابط والامتثال، يتحدث موظف عن "شعور بأن المصرف آخذ في الجمود. لم يظهر قادة حقيقيون للمساعدة على إنقاذنا من الانجرار وراء السعي للحصول على توافق داخلي في الآراء. إنهم يتفحصون كل مشكلة ويقدمون لنا الأحاديث الحماسية السعيدة نفسها".
ويرى منافسون أن المصرف بسبب الأخطاء التي ارتكبها في الماضي، أصبح خائفا من ظله الآن. حتى ماري ماك، التي تدير المصرف الاستهلاكي الضخم في بنك ويلز، تقول "إن الموظفين لا يزالون أكثر حذرا مما نريدهم أن يكونوا عليه".
المقربون من بنك ويلز، بمن فيهم عشرة من كبار التنفيذيين الذين تحدثوا إلى صحيفة فاينانشيال تايمز، يقولون "إن نقاط القوة الجوهرية التي يتسم بها المصرف في مجال إنشاء الائتمان واتخاذ الودائع لا تزال باقية".
يشير سلون إلى أن الحسابات الجارية الرئيسية - وهي مقياس رئيسي لرأي عملاء التجزئة في المصرف - آخذة في الازدياد بنحو 2 في المائة، منتعشة من النمو الصفري فورا بعد اندلاع الفضيحة، لكنها لا تزال أقل من نسبة 5 في المائة التي شهدتها في العامين السابقين على الفضيحة.
عندما يصدر بنك ويلز تقرير أرباح الربع الرابع هذا الأسبوع، سيأمل المستثمرون أن يكون هنالك استمرار في الزخم.
في الوقت الذي يحوم فيه نمو القروض حول الصفر بعد اندلاع الفضائح، لم يصل قط إلى المستوى السلبي.
تقول ماك "العملاء الموجودون حاليا ظلوا معنا". وتقول "إن مستوى الاحتفاظ بالعملاء هو عند أعلى معدلاته منذ سنوات". "على أننا قد تعرضنا للأذى، عندما بدأ العملاء المحتملون في الاختيار بيننا وبين مصرف آخر".
بيلوس رئيس قسم مصرفية الجملة، يتفق مع هذا الرأي. ويقول "شهدت بعض المحادثات المحرجة والعسيرة، لكن بشكل عام التزم زبائننا بالبقاء معنا. هم يعرفون المصرفي الذي يتعاملون معه. لقد كانت نتائجنا لا بأس بها بسبب ذلك. كان من الصعب إقناع عملاء جدد".
ويغلب على ظنه أن الفضائح تجعل الزبائن من الشركات حذرة، حيث يقولون في أنفسهم "أكره أن أكون كبير الإداريين الماليين الذي ينصح مجلس الإدارة بالتعامل مع بنك ويلز، ثم يحدث شيء آخر"، حسبما أضاف.
الخدمات المالية أعمال صعبة ودبِقة. العلاقات بالزبائن حين تفوز بها من الصعب أن تفقدها. سواء كانت متانة امتياز بنك ويلز تعود إلى هذا القصور الذاتي أو إلى السمات الفريدة للمصرف – فإن تاريخها الطويل في المجتمعات المحلية الصغيرة والمتوسطة في أمريكا – فهذا أمر تختلف بشأنه الآراء.
استفاد بنك ويلز من الجانب الدبِق للخدمات المصرفية بمعنى آخر. في أعقاب الفضائح، لم يكن هناك خروج جماعي للتنفيذيين، حتى إن شركات توظيف متخصصة في المصارف، كانت قد أعربت عن استغرابها من المستوى المتدني من تغيير الموظفين في قمة المصرف.
يقول تنفيذي كبير في بنك ويلز تعليقا على قراره بالبقاء "عُرضت علي وظائف أخرى كثيرة؛ لكن الفرص رائعة للناس الذين هم هنا".
بالتالي، فإن التحدي الرئيسي أمام بنك ويلز هو الفوز بزبائن جدد، لكن هذا يعني العودة إلى البيع – في الوقت الذي كانت فيه ثقافة المبيعات التي خرجت عن السيطرة، هي بالضبط ما أوقع المصرف في المشكلات.
كبار المسؤولين في المصرف مدركون بشكل حاد التوازن الدقيق في السلوك. يقول جون شروزبيري، كبير الإداريين الماليين، "إن الموظفين في الواقع تبنوا عقلية الامتثال وخبرة الزبائن أكثر من عقلية إقناع الزبائن بالقدوم إلى المصرف وتوسيع الأعمال، لأن هذا كان بالقرب من المركز الذي نشأت منه المشكلات".
لدى بنك ويلز سبب آخر للتفاؤل. روبرت ينجر، الذي يتولى إدارة "مركز سمعة الشركات" في جامعة أكسفورد، يقول "إن الزبائن أسرع كثيرا في نسيان فضائح السلوك الشخصي - مثل فضائح بنك ويلز – منهم إلى نسيان فضائح الكفاءة والقدرة".
ويقول "سيعود بنك ويلز إلى سابق عهده. خلال سنتين أو ثلاث سنوات سيكون في وضع لا بأس به".
يُمكن القول إن بنك ويلز فارجو يتلقى تمحيصا دقيقا وتنظيما صارما على أساس مستدام أكثر من أي مصرف أمريكي على الإطلاق. في الوقت الذي أصلح فيه أنظمة الحوكمة والامتثال والرشادة فيه، فإنه يعمل بموجب أمرين بالموافقة "مثل أوامر المحكمة"، أحدهما من مجلس الاحتياطي الفيدرالي والآخر يصدر بشكل مشترك من مكتب حماية التمويل الاستهلاكي ومكتب المراقب المالي للعملة.
وضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في خطوة غير مسبوقة، حدا أقصى على الميزانية العمومية للمصرف عند تريليوني دولار إلى أن يقتنع بأنه تم تطبيق ضوابط كافية.
كل هذا هو بمنزلة "تجربة مفتوحة في السياسة"، وذلك وفقا لأحد المحامين المتخصصين في التنظيم المالي. يدرك التنفيذيون في المصرف أنهم يصوبون نحو هدف متحرك، على اعتبار أن المنظمين لن يعلموا ما هو جيد بما فيه الكفاية إلا عندما يرونه.
وردا على سؤال حول ما إذا كان المصرف يفكر بالطريقة نفسها كالمنظمين، يقول بيلوس "إنه فيما يتعلق بمخطط بالمعنى الكلاسيكي، للأرقام الرومانية الكبيرة، نحن بالتأكيد كذلك، لكن بالنسبة إلى التفاصيل... لا توجد قائمة مرجعية، لا يوجد كتاب قواعد لهذا".
الشعور بأنه لا توجد نهاية واضحة تفاقم بسبب التدفق المستمر للأخبار التي تدل على عدم رضا المنظمين المستمر عن بنك ويلز.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES