FINANCIAL TIMES

لأجل الطعام.. موظفو الحكومة الأمريكية يلجأون لـ «أهل الخير»

لأجل الطعام.. موظفو الحكومة الأمريكية يلجأون لـ «أهل الخير»

ريجينالد كوفي واحد من بين نحو 30 شخصا اصطفوا رغم البرد، في طابور طويل لتناول وجبة غداء ساخنة مجانية من مطبخ مؤقت يقع في منتصف الطريق بين البيت الأبيض ومبنى الكابيتول، مقر الكونجرس.
ولكونه موظفا في دائرة محاكم مقاطعة كولومبيا، لم يتوقع كوفي قط أنه سيتعين عليه الاعتماد على المساعدات للحصول على وجبات منتظمة. لكنه واحد من نحو 800 ألف موظف حكومي لم يحصلوا على رواتبهم منذ إغلاق الحكومة الأمريكية قبل أربعة أسابيع، أكثر من 10 في المائة منهم يعيشون في عاصمة البلاد والمناطق المحيطة بها.
يقول: "كانت عائلتي أساسا تعيش من راتب إلى راتب بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة. إذا استمر هذا الأمر لفترة أطول، لن نتمكن من تحمل تكلفة البقالة". ويضيف: "لا بأس في ذلك بالنسبة لي - يمكنني أن أستغني عن وجبة الإفطار. لكن ابني ذو الـ 16 شهرا لا يمكنه ذلك".
بينما يستمر توقف الحكومة عن العمل، يحسب المسؤولون التكلفة الاقتصادية. مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس دونالد ترمب ضاعف هذا الأسبوع تقديره لمدى الضرر الذي يلحقه ذلك بالاقتصاد، من 0.05 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الأسبوع إلى 0.1 في المائة.
أكثر المواقع تضررا هي منطقة واشنطن العاصمة -المكان الذي بدأ في التكيف مع مشهد البيروقراطيين الذين يرتدون البدلات ويصطفون في طوابير أمام الجمعيات الخيرية التي توزع الطعام، بدلا من الاصطفاف أمام المطاعم الفاخرة الحاصلة على نجمة ميشلان. وفقا لتحليلات "موديز"، هناك 200 ألف من العاملين في الحكومة الفيدرالية الذين يعيشون في هذه المنطقة، نصفهم تقريبا يقبعون في بيوتهم بلا عمل، أو يعملون بدون أجر.
قال آدم كامينز، كبير الاقتصاديين الإقليميين في "موديز": "سيكون لهذا تأثيرا كبيرا للغاية على العاصمة، التي تمثل جزءا كبيرا من الاقتصاد أكثر مما يعتقد كثيرون". وفقا لحسابات كامينز التي استند فيها إلى بيانات حكومية، واشنطن هي خامس أكبر منطقة حضرية في الولايات المتحدة ـ تتخلف عن دالاس بقليل.
الموظفون الفيدراليون ليسوا وحدهم المتأثرين. المتعاقدون الحكوميون لم يحصلوا على رواتبهم أيضا. وبعكس موظفي الحكومة، لا يمكنهم توقع الحصول على تعويض لاحق للأجور المفقودة.
أجزاء أخرى من اقتصاد العاصمة تعاني أيضا. المقاهي والمطاعم المجاورة للمكاتب الحكومية قالت، إن إيراداتها تراجعت في الأسابيع الأخيرة، في حين تقول إدارة النقل في ميرلاند، إن مبيعاتها الشهرية انخفضت 18 في المائة، وقد تضطر إلى تقليص خدماتها.
جيسيكا مارتينيز، زميلة كوفي في دائرة محاكم واشنطن، تقول: "إذا قلصت إدارة النقل في ميرلاند عدد قطاراتها، لن أكون قادرة على الوصول إلى عملي، حتى لو طلبت الحكومة أن آتي للعمل بدون أجر".
ومع استمرار توقف الحكومة بدأت المؤسسات الخيرية في تدارك الأمر. المطبخ الذي كان يصطف أمامه كل من كوفي ومارتينيز افتتحه خوسيه أندريس، الشيف الإسباني الحائز على نجمة ميشلان. منظمته غير الربحية، World Central Kitchen وتعني "المطبخ المركزي العالمي"، عادة ما تعمل في المناطق المنكوبة بالكوارث، لكنها هذا الأسبوع فتحت مطبخا في العاصمة للمرة الأولى.
نيت موك، المدير التنفيذي للمنظمة، يقول: "أمس قدمنا نحو 4500 وجبة طعام ونتوقع أن نفعل الشيء نفسه اليوم". ويضيف: "قد لا نكون في منطقة كارثة طبيعية، لكننا بالتأكيد في منطقة كارثة من صنع الإنسان".
رادها موثياه، الرئيسة التنفيذية لبنك الغذاء "كابتال آريا" Capital Area Food Bank، تقول إن الطلب على بنوك الغذاء التابعة لمنظمتها زاد 20 في المائة الشهر الماضي. "نحن نعمل عادة مع الأفراد الذين هم في خط الفقر أو يحومون حوله. لكن في الأسابيع الثلاثة الماضية، كانت طبيعة الأشخاص الذين يأتون إلينا مختلفة. نشهد الآن أناسا يجنون ما يراوح بين 40 ألف دولار و60 ألفا سنويا".
بعض الموظفين الفيدراليين يبيعون ممتلكاتهم على الإنترنت في محاولة لتغطية العجز وآخرون يبحثون عن عمل بدوام جزئي. كيفن هاسيت، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس، كشف هذا الأسبوع أن أحد موظفيه يعمل حاليا سائقا لدى "أوبر" في واشنطن.
تتوقع إدارة ترمب أن يستمر الألم فترة قصيرة، العاملون سيحصلون على متأخرات أجورهم بمجرد انتهاء فترة التوقف، وموجة من النشاط الاقتصادي ستعوض ما تم فقدانه في الأسابيع القليلة الماضية.
محللون يقولون هذا ما حدث في الماضي، لكن طول الإغلاق الحالي ومرارة الجدل السياسي المحيط به يمكن أن يزعزعا الثقة بالاقتصاد على المدى الطويل -خاصة في واشنطن.
يقول كامينز: "يزداد قلقي أكثر فأكثر إزاء ما يعنيه هذا بالنسبة للمنطقة". ويضيف: "مرت واشنطن بتحول في السنوات الأخيرة لأن الشباب أرادوا العيش والعمل فيها. لكن كلما طال أمد هذا الأمر، يصبح العمل في القطاع العام أقل جاذبية بالنسبة لخريجي الجامعات".
عبر عن هذا الرأي أيضا أولئك الذين يعملون في الحكومة. جاي. تي ستانتون غادر القطاع الخاص في عام 2014 للعمل في الحكومة، وفي عام 2016 تم قبوله لوظيفة في وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية لمساعدة الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة.
لكن بعد مرور نحو أربعة أسابيع وهو بلا عمل، يقول: "أنا أسأل نفسي الآن: هل هذا شيء أريد أن أتحمله؟ أعلم أن بوسعي العمل في القطاع الخاص، وهناك لن يحدث إغلاق عشوائي فجائي".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES