Author

«ثلاثاء» المصير البريطاني

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"إذا لم يصوت مجلس العموم على خطتي، فستدخل بريطانيا في المجهول" 
 تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا

اليوم "الثلاثاء"، سيصوت مجلس العموم البريطاني "البرلمان"، على خطة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. البعض يعتبره أهم تصويت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والبعض الآخر ينظر إليه على أنه تصويت سيحدد الخطوات لشكل العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، بصرف النظر عما إذا كان سيكرس الانقسامين الوطني والسياسي في البلاد، رغم عدم وجود خطة بديلة للخطة المقترحة. وهناك من يرى أن تصويت الثلاثاء سيطرح واقعا جديدا، سواء مر على مجلس العموم أم لم يمر، واقعا ليس بالضرورة تلفه الإيجابية، أو تغرقه السلبية. في المحصلة، إنه تصويت تاريخي حمل معه هذه الصفة، لعشرات الأسباب، منها أن تيريزا ماي رئيسة الوزراء أجلته إلى هذا الشهر؛ خوفا من خسارة محققة لها، فيما لو تم الشهر الماضي.
لكن الانتصار في تصويت اليوم ليس مضمونا؛ أي أن نقله من عام إلى آخر لم يوفر للحكومة أي ضمانات بمروره بين النواب. ربما نجحت ماي في تغيير آراء بعض النواب المعارضين للخطة، لكنها لم تفز بالتأكيد بتأييد جميع أولئك الذين أعلنوا سلفا أنهم سيصوتون ضد خطة الانفصال هذه، ولا سيما النواب من حزبها، بينما ينتظر حزب العمال المعارض فرصة سقوط الخطة في التصويت؛ ليضع أمام مجلس العموم مشروع قرار بحجب الثقة عن حكومة ماي. إنها حكومة أقلية كما هو معروف لا تعيش إلا بأصوات حزب إيرلندي اتحادي صغير، هو الأكثر خوفا من خطة ماي للانسحاب؛ لأنها تتضمن حدودا بين إقليم إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا. وهذا ما يضرب مباشرة اتفاق السلام الإيرلندي التاريخي قبل 20 عاما.
كل الأطراف خائفة، بل لِنَقُلْ مرعوبة؛ المؤيدون للبقاء في الاتحاد والمعارضون له، الشركات على اختلاف قطاعاتها، المؤسسات المشتركة، ولاسيما المالية منها، المقيمون الأوروبيون في بريطانيا والعكس، سائقو الشاحنات، العاملون على الحدود، العائلات الإيرلندية التي تفصلها أمتار حدودية عن بعضها بعضا، المحال الكبرى والصغرى، حتى المسارح ودور السينما، ناهيك عن المطاعم والنوادي وغير ذلك، الكل خائف مرتعد من نتيجة التصويت، لكن الأكثر رعبا تبقى رئيسة الوزراء نفسها، التي قدمت خطتها، وقالت: إما هذه وإما لا شيء آخر؛ أي أنها تضع الخطة وظهرها بالفعل إلى الحائط؛ لأنها لم تقدم بديلا آخر. اعتمدت في الواقع على استراتيجية التخويف لكلا الجانبين للحصول على أصوات تضمن لها مرور الخطة عبر المجلس.
المثير في هذه الاستراتيجية، أنها تستهدف معسكري البقاء والخروج في آن معا. بالنسبة للمعسكر الأول فالرسالة واضحة، إذا لم تصوتوا إلى جانب الخطة التي أعرضها، فستدفعون إلى خروج من الاتحاد بلا اتفاق، وهذا أسوأ أنواع السيناريوهات على الإطلاق. أما المعسكر الثاني فالرسالة أوضح، إذا لم تصوتوا أنتم، فإمكانية إلغاء الخروج؛ "أي البقاء"، واردة جدا، خصوصا إذا انتصر أصحاب تيار إجراء استفتاء شعبي ثان على المسألة برمتها. لا أحد بالطبع يضمن نتيجة هذا الاستفتاء المفترض، لكن المؤشرات تمضي قدما في مصلحة مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي. إنها استراتيجية الرعب المزدوج إن جاز القول لكن هل ستكون مجدية عندما تترجم إلى نتيجة التصويت اليوم "الثلاثاء"؟ 
التخويف المتعدد انطلق أيضا من الوزراء المخلصين لرئيسة الحكومة، وبينهم من هو مؤيد للخروج ومن هو داعم للبقاء، ومن يدعو إلى استفتاء ثان في حال توقف الآلة التشريعية عن العمل في هذه المسألة، لكن النتيجة تبدو ليست كبيرة، على الأقل من خلال توجهات النواب الذين يستعدون للتصويت. هناك جناح يتحرك على جبهة نادرة في العمل السياسي البريطاني، وهي أن يسحب البرلمان المسألة من أيدي الحكومة، ويقوم هو بالإشراف عليها، وهناك آخر ينشط في مجال تمديد الفترة الفاصلة للخروج الرسمي من الاتحاد الأوروبي، وهناك من يدعو إلى أشكال مختلفة من العلاقات مع الاتحاد. كل هذا يظهر على الساحة؛ لأن رئيسة الوزراء فشلت في الواقع في أن تضع "خطة ب"، في حال فشلت خطتها الوحيدة.
من الواضح أن تيريزا ماي لم تعد تسيطر على المشهد السياسي العام في البلاد منذ أشهر، وسواء نجح العمال في إجراء انتخابات عامة أم لا، كحل للمأزق الأوروبي هذا. فهذه المسؤولة انتهت صلاحيتها في الواقع، ولا أمل لها في مستقبل سياسي جديد. المسألة كلها تنحصر اليوم في مدى تمكنها من النجاة في التصويت، علما بأن كل المؤشرات تدل على أنها ستخسر هذه المعركة؛ لأن أغلب النواب يعتقدون أن رئيسة الحكومة لم تنجح في الوصول إلى اتفاق خروج جيد من الاتحاد، في حين ترفض بعنف أي اقتراح لإطلاق استفتاء ثان يحسم الأمر شعبيا، مع ضرورة الإشارة إلى أن ثلث نوابها في البرلمان يعتقدون أنها لا تصلح أساسا لزعامة حزبهم الذي يحكم بأقلية. اليوم، سيشكل بساعاته الـ24، لحظة الحقيقة في المملكة المتحدة. 

إنشرها