Author

لنحتفل .. بيوم النخلة

|


رغم أن قطاعنا الزراعي تراجع في العقد الأخير بسبب شح المياه، إلا أن النخيل ترعرع عوده وانتشرت ثماره وتنوعت، وعمت خيراته في كل مكان داخل المملكة وخارجها.
ونستطيع القول إن إمكاناتنا في زراعة النخيل المثمر وغير المثمر مبشرة، ومرشحة كي تضع المملكة في مقدمة الدول المنتجة والمصدرة للتمر ذي الجودة العالية.
ونذكر - على سبيل المثال - أن منطقة القصيم تتصدر المدن السعودية في إنتاج التمور بكل أنواعها وأشكالها، بل تنتج أنواعا من التمور القصيمية ذات الجودة العالية والفريدة في طعمها ونوعها، كما أن منطقة المدينة المنورة تتميز بإنتاج أنواع أخرى من التمور الفريدة التي تتصل بتاريخ الدولة المحمدية الإسلامية، وأكثر من هذا فإن منطقة الأحساء تتميز بإنتاج أنواع فريدة من التمور التي تميز هذه المنطقة عن كل المناطق الأخرى.
نخلص من هذا إلى أن التمور في المملكة يجب أن تكون موردا من الموارد الرئيسة لبلادنا، ولا شك أن إمكاناتنا الطبيعية تؤكد أننا مرشحون كي نكون من دول المقدمة في إنتاج وتصدير أفخر وأفخم أنواع التمور على مستوى العالم.
ولا شك أن السعوديين لهم مع النخلة علاقات وطنية عميقة، فالنخلة هي شعار المملكة مع سيفين من سيوف الملك عبد العزيز المسلولة، ويضاف إلى ذلك أن تاريخنا الزراعي يؤكد أن للنخلة في حياة الإنسان السعودي مكانة تاريخية أثيرة، فهي الغذاء، وهي الواحة الجميلة، وهي الجمال الأخاذ الذي نزين به بيوتنا وشوارعنا وصواليننا، وقبل ذلك وبعده هي التاريخ الأزلي القديم، والتاريخ المعاصر الوثير، وتاريخ المستقبل الوفير.
ويعود تاريخ النخلة في شبه الجزيرة العربية إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وكانت أولى النباتات التي عاشت وترعرعت في حضن الإنسان العربي القديم، ويومذاك قدمت للبشرية، وما زالت، خدمات جليلة حتى تحقق على يديها كثير من انتصارات قوى الإنسان على قوى الطبيعة القاسية.
الإنسان السعودي كبر وترعرع مع النخيل، واسترزق وتغذى من الطرح المثمر الذي يطرحه النخيل، وصدق الله سبحانه وتعالى القائل في محكم كتابه العزيز "والنخل باسقات لها طلع نضيد"، ومعناها الباسقات الطوال التي يطول نفعها وترتفع إلى السماء حتى تبلغ مبلغا لا يبلغه كثير من الأشجار، فيخرج من الطلع النضيد في قنانها ما هو رزق للعباد قوتا وأدما وفاكهة يأكلون منه ويدخرون.
وفي ذلك إشارة إلى القدرة الإلهية المبدعة التي تتجلي في خلق النخلة الباسقة‏، بهذا الطول الفاره‏، ما جعل من النخل مضرب المثل في القرآن الكريم الذي ذكره في 20 موضعا‏، وفضله دوما على غيره من أنواع الزروع‏ والفاكهة‏. ولكن رغم ذلك، فإننا في المملكة لم نحتفل ولم نحتف بالنخلة، ولم نخصص يوما في السنة للاحتفال بالنخلة السعودية الباسقة، ولم نجدد رعايتها، ونعيد هيكلتها، ونقنن بزوغها، ونسعى إلى تثميرها وتجديدها.
إن "رؤية السعودية 2030" تحرص على تنويع مصادر الدخل في كل مورد نجد فيه ميزة نسبية لبلادنا.
وبمناسبة الدعوة إلى الاحتفال بالنخلة السعودية، فإننا حينما كنا في الولايات المتحدة ننهل من مناهل المعرفة، فوجئنا - في يوم من الأيام - بمجموعة من الأخبار تقتحمنا وتنشر بيننا خبرا يقول إن الولايات المتحدة ستحتفل بعيد النخلة العربية، ويومذاك شدنا الخبر، فنحن نعرف أن الحصان العربي يحتل شهرة طاغية في مضامير السباق في جميع أنحاء العالم، أما وأن النخلة العربية تحتل أيضا هذه المكانة نفسها عند الأمريكان، فهذا شيء جديد علينا ويسعدنا.
طبعا كان هذا الخبر مفاجأة لنا، فحزمنا أمرنا بالذهاب إلى مدينة "أنديو" في ولاية كاليفورنيا لنحتفل مع الأمريكان بعيد النخلة العربية. كنا مجموعة من المبتعثين، الزملاء: الدكتور محمد حيدر مشيخ، والدكتور محمد صبيحي، والدكتور طلال عشقي، وطارق ريري وحسين الصبان، وغيرهم ممن لم تحضرني أسماؤهم الآن، وحزمنا الأمر وذهبنا وعائلاتنا إلى مدينة "أنديو" للمشاركة في الاحتفال بعيد النخلة العربية. وفي مدينة "أنديو" فوجئنا بمجموعة من المفاجآت الجميلة، وكانت المفاجأة الأولى تتمثل في أن الأشخاص الذين كانوا يقومون على خدمة المزارع هم من الأشقاء اليمنيين، قالوا لنا إنهم قدموا مع النخيل من الجزيرة العربية في الثلاثينيات الميلادية، وإنهم عاشوا وأنجبوا "وتأمركوا" حتى جاءتهم الجنسية الأمريكية على طبق من ذهب.
وإذا كنا نعرف النخلة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، فإن الولايات المتحدة لم تعرف النخلة إلا منذ قرن ونصف القرن تقريبا، حيث قام باحثون أمريكيون بشرائها ونقلها من البلاد العربية واستزراعها في العالم الجديد، ثم العكوف على تحسين سلالاتها وحمايتها من الآفات بشبكة من الأبحاث العلمية التي تحافظ عليها وتجود إنتاجها وتفتح أسواقا لها، حتى أصبحت أمريكا اليوم واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للتمور على مستوى العالم.
وإذا عدنا إلى النخيل في المناطق السعودية الأربع: المدينة المنورة، والقصيم، والأحساء، والباحة، نلاحظ أن هناك تحسنا ملحوظا قد طرأ على زراعة النخيل، وعلى تحسينه وتجهيزه وتغليفه بشكل يعطينا الحق في المطالبة بتعيين يوم في السنة كي نحتفل فيه بنخلة السعودية، وأتمنى أن تتبنى وزارة الزراعة هذه المهمة وتعلن عن اليوم الذي تراه مناسبا كي نحتفي ونحتفل بالنخلة العزيزة على قلوبنا ونفوسنا، ونؤكد مرة أخرى أن السعوديين لهم مع النخلة علاقات وطنية عميقة، فالنخلة هي شعار المملكة مع سيفين من سيوف الملك عبدالعزيز المسلولة.

إنشرها