FINANCIAL TIMES

في دبي .. اختزال سياحة «إليزابيث الثانية» في فندق عائم

في دبي .. اختزال سياحة «إليزابيث الثانية» في فندق عائم

"الملكة إليزابيث الثانية" سفينة ركاب عبر المحيط الأطلنطي تم إطلاقها في عصر الفضاء. إنها مفارقة رائعة، وتعبير أخير عن الطريقة الأكثر سحرا وحقبة السفر، التي وصلت إلى البحار عام 1969، تماما في الوقت الذي كانت فيه طائرة الكونكورد في رحلتها التجريبية الأولى، وكانت مركبة أبولو 11 تهبط على سطح القمر.
تستطيع السفينة السفر من ساوثامبتون إلى نيويورك خلال أربعة أيام ونصف. والكونكورد تستطيع السفر من لندن إلى نيويورك خلال أقل من ثلاث ساعات ونصف، لكن مع ذلك، كانت "الملكة إليزابيث الثانية" أسرع سفينة في البحرية التجارية.
اليوم، باعتبارها آخر أكبر سفينة عبر المحيط الأطلنطي لا تذهب إلى أي مكان بسرعة. ترسو بشكل دائم في المياه الزرقاء الفاترة لمحطة الرحلات البحرية القديمة في دبي، هي الآن فندق عائم وبالتأكيد واحدة من أكثر الآثار الرائعة في مدينة من الرموز المدركة لذاتها.
في عام 2007، تدخلت "استثمار العالمية"، الأداة الاستثمارية المملوكة لحكومة دبي، لإنقاذ "الملكة إليزابيث الثانية" من منطقة الخردة مقابل 100 مليون دولار.
كانت الخطة الأولى هي تجريدها وخلق ما وصفه لي راسل هانسون المدير العام بأنه "فندق سبع نجوم"، لكن اتضح ببطء أنهم سيجدون أنفسهم أمام هيكل سفينة مهجورة وغير صالحة للاستعمال راسية بعد أن تجردت من تاريخها – وفي نهاية المطاف القيمة – في سوق محلية مشبعة بأماكن الإقامة الفاخرة للغاية.
بالتالي، بدلا من ذلك، شرع المالكون الجدد في ترميم طويل ودقيق للأجزاء الداخلية من السفينة، في الوقت الذي كانوا يفعلون فيه ما بوسعهم لإيصالها إلى المعايير المتوقعة من فندق حديث. النتائج في الواقع كانت غريبة تماما، ومذهلة تماما وليس ما كنت أتوقعه على الإطلاق.
كنت أتوقع أن أواجه تصميما داخليا لامعا من فترة منتصف القرن، ومزيجا من البساطة العصرية وسحر ما بعد فن ديكو، ونوعا معينا من صدى العصر الذهبي للسفر عبر المحيط الأطلنطي الذي كان مليئا بأناقة الستينيات.
من الواضح أن المصممين كانوا يعانون السؤال الذي يحزن كل الذين يحاولون تجديد هيكل تاريخي: ما الطبقات التي تتركها دون المساس بها، وما هي التي ستتخلص منها؟
من الخارج، تتمتع السفينة بالحضور المذهل نفسه الذي دائما ما كانت عليه، مظهر انسيابي نحيل يستحضر الهيكل المبسط لسيارة جاكوار E-Type، مقارنة بالهياكل الضخمة العائمة البيضاء التي تشكل سفن الرحلات البحرية الضخمة المعاصرة.
تم تحسين أجزائها الداخلية وإعادة تصميمها على مر السنين لمواكبة الموضة، وكانت آخر عملية تجديد رئيسة لها في بريميرهافن عام 1987.
النتيجة هي تصميم داخلي من الفخامة الألمانية المحلية الخالصة التي تعود إلى فترة الثمانينيات.
كما تم تجهيز الحجرات الـ224 في مزيج غير منظم من التفاصيل الكلاسيكية السوداء وحقبة ما بعد الحداثة – خزانة تلفزيون تشبه المنصة التي يوضع عليها النعش، وحمام يبدو كأنه يحاكي تقليدا مكلفا لبريق هوليوود الضخم، وتلميحات من فن ديكو، وحتى تلميحات أقوى من شخصية باتريك بيتمان.
غير أنها أيضا فسيحة ومريحة. حجرتي كانت لديها شرفة تطل على مواقع الإنشاء الرملية الطويلة والمملة في دبي، التي تغطيها في الليل كوكبة من الأضواء على رافعات الأبراج، التي كانت مهدئة بشكل غريب.
تم إيقاف محركات الديزل الكهربائية التسعة نهائيا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، عندما وصلت السفينة إلى دبي بعد جولة وداع للمملكة المتحدة، لكن كانت لا تزال هناك قعقعة عميقة بدا أنها تأتي من أحشاء الهيكل.
قيل لي إنه ربما كان مكيف الهواء المزود بتوربين الذي تم تعديله لمواجهة تأثيرات هيكل معدني ضخم يشوى ببطء في شمس الخليج. لا بأس في ذلك.
كانت هناك أيضا تلك الرائحة المميزة، وإن كانت باهتة – مزيج من زيت المحركات، وسوائل التنظيف والمطابخ التي كانت تتميز إلى حد كبير بصفات البحر، من العبارات عبر القنال إلى القوارب التي تتنقل بين الجزر.
إذا عدنا إلى خارج الحجرات، تظهر الستينيات. بعض الممرات احتفظت بالبطانات المغطاة بقشرة خشبية والأبواب بمقابض متوهجة أنيقة كانت إلى حد كبير تميز الهيكل السابق للباخرة.
الأمر الذي بقي والأكثر إثارة للدهشة هو الأشياء التي كانت على تلك الجدران. الممرات هي كبسولة زمنية للفن البريطاني من منتصف القرن العشرين، معرض مذهل من المطبوعات والطباعة الحجرية لفنانين من بينهم جون بايبر وجراهام سوثرلاند، لكن أيضا ميرو، وبيكاسو، وليجير وآخرون، بعضها عليه توقيع الفنان، وبعضها تم جمعه من السوق العامة، وبعضها للزينة، وبعضها غريب وساحر، نوع من الانغماس المحظوظ يستحق التجول البطيء أثناء تفادي عربات التنظيف.
هناك أيضا صندوق زجاجي مذهل مع نموذج مفصل بطول 12 قدما لسفينة موريتانيا، سابقة على سفينة الملكة إليزابيث الثانية باعتبارها واحدة من أسرع سفن الركاب عبر المحيط الأطلنطي.
توجد مساحة تحتفظ بالقليل من المستقبلية التقنية من عصر إطلاق مركبة فضائية إلى القمر. الصالة السابقة من الدرجة الأولى، غرفة الملكة، هي منظر طبيعي زائف من أعمدة سيقان الفطر العضوي وسقف مضاء.
الصور المعاصرة تظهر مساحة تبين كراسي بلاستيكية بيضاء مصبوبة، وطاولات قهوة فريسبي وآرائك منخفضة الارتفاع. الأثاث اختفى وتبقى لمحة من بقاياه الرائعة، وفي بعض الصالات الباقية الأخرى، مع مناطق الجلوس الغائرة فيها، لا تزال تحصل على شعور بالدهشة من الحداثة المطلقة من منتصف القرن. أكثر من أي شيء آخر، تستحضر مشاهد من فيلم "2001: أوديسة الفضاء" من إخراج ستانلي كوبريك، الذي هو بطبيعة الحال معاصر للسفينة.
المطاعم، مع الأسف، تفتقر تماما إلى براعة الحداثة المذكورة. حتى مطعم كوينز جريل ("يطلب من الرجال ارتداء سترة وربطة عنق في المطعم أثناء وجبة العشاء"، وهي العبارة المكتوبة الآن على لوحة نحاسية غير إلزامية) يشبه مطعما في فندق ألماني إقليمي متعب يقترب من وقت الإغلاق.
وهذا أمر شائن؛ لأن الطعام والخدمة رائعان جدا بالفعل. ما هو حتى خارج الفترة الزمنية هو مطعم ذا جولدن ليون، وهو الآن أقدم حانة في دبي.
وهي تحتوي على دروع تذكارية من الموانئ السابقة على الجدران، وصنابير بيرة نحاسية، وأثاث شبه ريفي يفتقر إلى الذوق باللون البني، وسجادة مزخرفة بشكل فظيع وقائمة طعام غنية بالفطائر والأشياء المقلية.
مظهرها لا يزال مختلفا عن أي حانة إنجليزية، بل يشبه إلى حد كبير واحدة من تلك الصور طبق الأصل في محطة خدمات الطريق السريع أو مطار آسيوي.
من ناحية أخرى، تلك الكراسي والطاولات غير الجذابة هي أقدم من أقدم ناطحة سحاب في دبي، لذلك حتى التراث الزائف هنا له قيمة تراثية.
وبطريقة ما، هذا هو الشيء الغريب بشأن سفينة الملكة إليزابيث الثانية أثناء وقوفها هنا. هي، بحسب معايير دبي، نوع من الآثار. حتى في تجسيدها لعصر الثمانينيات، فإن المطاعم هي أقدم الأجزاء الداخلية الباقية في المدينة.
على الرغم من أنها لا تزال تعوم، إلا أن سفينة الملكة إليزابيث الثانية ترتبط بحبل سري بالأرض، وجسر مرتفع ومجموعة غير مرتبة من خطوط الأنابيب متعددة الألوان "مثل مركز بومبيدو صغير" تمتص الطاقة والمياه من رصيف الميناء.
هي موصولة بالمدينة من خلال صالة ومتحف غريب يشبه أحد تلك المباني المؤقتة الكبيرة جدا في موقع معرض غير صالح للعمل.
نصف صالة مغادرة في المطار، نصف مساحة ذات توجيه جماعي، مع ذلك، فإن الحجم غير المميز مليء بمجموعة ساحرة تماما من الآثار، من أحد الكراسي البيضاء الأصلية من عصر الفضاء من صالة الدرجة الأولى إلى تصميم لحجرة من عام 1969 "تبدو متناثرة جدا".
وتوجد ملصقات وقوائم طعام، وحقائب ومجموعة مختارة من أقمشة درالون المكسوة بالأزهار التي يبدو أنها نموذجية باللونين البني والبرتقالي. هذا ليس بالضبط نوع البريق الذي ربما تكون قد توقعته.
كانت السفينة تستقبل النزلاء منذ نيسان (أبريل) من العام الماضي، لكنها لا تزال في طور الإعداد – "الافتتاح الكبير" سيتم أواخر هذا العام. كان العمال يفرغون سطح المركب ويسحقون المعادن أثناء إقامتي وبعض الحجرات لا تزال في حاجة إلى تجديد. كثير منها، في الواقع، لن تستخدم مرة أخرى؛ لأنه لا يمكن استخدامها فعلا كغرف فندق حديث؛ لأنها موجودة في أعماق السفينة ومن دون نوافذ حتى.
بطرق أكثر من واحدة، الملكة إليزابيث الثانية هي نوع من الغموض الفضولي، سفينة تعوم، لكن لا تستطيع أن تتحرك "وسفينة حيث ترِك جسرها بالضبط كما كان في اليوم الذي رسى فيه الطاقم آخر مرة، وخرائط وكل شيء"، سفينة أنيقة فاخرة جدا تبدو متعبة قليلا وقديمة، قطعة تاريخية مع أجزاء داخلية من الحقبة الخاطئة.
في حكم المؤكد أكثر مكان لافت للنظر ومميز يمكن الإقامة فيه في جميع أنحاء الإمارات، وهي قطعة من التاريخ الحديث التي تبدو، في سياقها الخليجي، مثل تراث رائع لا يمكن استبداله، وآخر نصب لعصر يبدو الآن بعيدا بشكل مستحيل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES