Author

ضغوط العمل .. والتحكم فيها

|

أصبحت ضغوط العمل من الأمور الشائعة في منظمات الأعمال هذه الأيام، ولم يعد الموضوع مقتصرا على الموظفين في حد ذاتهم، بل أدركت القيادات والثقافات التنظيمية هذه المشكلة نتيجة التسرب الهائل للخبرات، وقلة إنتاجية بعضهم، وطلب كثيرين التقاعد المبكر، ونمو كثير من الصراعات داخل المنظمات؛ لذا كان لزاما علينا أن نظهر هذا الموضوع مرة أخرى على السطح، ونتعرف على هذه الظاهرة، وكيف نتغلب عليها، ونجعل من بيئة العمل مكانا للإنتاج والعمل المثمر والعلاقات الإنسانية الراقية.
يقضي الموظفون جزءا كبيرا من أوقاتهم في العمل، وخلال ساعاته تواجههم ضغوط تراوح بين هينة لينة، يمكن إدارتها والتحكم فيها، وأخرى عنيفة قاسية تخرج عن سيطرتهم، وقد تُفقِد البعض صوابه، وحتما تأخذ ثمنها من أنفس ما يملك الموظف، وهي الصحة، وتؤدي به إلى نهج سلوكيات غير حميدة، مثل: الغياب، والتأخير، وضعف العلاقات مع الآخرين، والتعرض المتكرر للحوادث، خصوصا من كانت طبيعة أعمالهم حرفية، والإفراط في التدخين، وتعاطي المخدرات، والضحك الهستيري، ناهيك عن إفراز كثير من الصراعات والعداوات.
يرى ناصر العديلي صاحب كتاب إدارة السلوك التنظيمي، أن الضغط مصطلح فيزيائي يعني المضاعفات التي تؤثر في حركة ضغط الدم، أما علماء النفس فيرون أن الضغوط تعني المطالب التي تجعل الفرد يتكيف ويتعاون لكي يتلاءم مع من حوله، ويطلق البعض على الضغوط "أمراض التكيف".
وعند مواجهة الإنسان الضغوط، فإنه عادة ما يمر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى تسمى مرحلة "أعراض الشعور بالخطر"، وهي المرحلة التي تظهر فيها أعراض ودلائل تشعر الإنسان بأنه يعاني ضغوطا، فالبعض يواجه ضغوطا وظيفية دون علمه، فهذه الأعراض تدق ناقوس الخطر، تخبره أن هناك شيئا ما في جسده ينحرف عن مساره، مثل: زيادة ضربات القلب، وجفاف الفم، والأرق، وفقدان الشهية، وضيق التنفس، والاندفاع، وقلة التركيز، والقلق. وتزول هذه الأعراض بزوال السبب، أما إذا لم تنتهِ المسببات، فسينتقل إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة "التكيف"، وهنا يحاول الإنسان التكيف مع الضغوط وكأنها جزء من حياته، والبعض يستطيع ذلك، إلا أن فئة من الموظفين يصعب عليها التكيف، وتستمر معها الأعراض، فإذا كنت من هذا النوع، يجب أن تتوقف عن محاولة التكيف، وأن تتجنب مصادر الضغوط، عن طريق تغيير منهجية عملك أو طبيعته، أو الاستمتاع بإجازة حتى لو لم يحن موعدها، أو أي تصرف آخر يزيل هذه الأعراض دون العقاقير؛ لأن مثل هذه الضغوط تهدد أنفس ما تملك، وهي صحتك، فمن الحماقة أن نكسب النجاح والمال ونخسر الصحة.
وإذا لم تفعل شيئا جراء هذه الدلائل والتحذيرات، وبقيت تناضل في محاولة التكيف، فإن هذا سيقودك إلى المرحلة الثالثة، وهي ما تعرف بمرحلة "ظهور آثار الإجهاد"؛ حيث تنعكس آثار الضغوط في شكل الشعور بالاكتئاب، والقلق المزمن، وسرعة الغضب، والنسيان، والانقلاب المزاجي، فترى الموظف الهادئ الطبع يصبح عدائيا، ومتقلب المزاج مزدريا الآخرين، وفي النهاية قد يصاب بانهيار عصبي. وهذه الآفات تجر معها الأمراض العضوية الشائعة كضغط الدم، وقرحة المعدة، وداء السكري، وآلام المفاصل، وأمراض الشرايين، وغيرها كثير.
وأكثر الموظفين الذين يتسببون في ضغوط العمل لأنفسهم ولزملائهم هم الأفراد الذين يتصفون بداء العجلة Hurry Sickness؛ أي "نفاد الصبر على النمط البطيء في الحياة"، كما يفسرها الدكتور أحمد عبدالوهاب. يرى علماء السلوك التنظيمي، أن هذه الشخصية تكافح بضراوة لإنجاز كثير من الأعمال في وقت قليل، ويفضلون الانشغال بعدد من المهام في وقت واحد، وهم عادة ما يتذمرون من النمط البطيء في الحياة. ومن علامات مرض العجلة: قلة الصبر عند التحدث مع أفراد يتكلمون بهدوء؛ حيث يقوم من يتصف بهذا المرض باستكمال الجملة التي يبدأها الطرف الآخر، والحرص الشديد على وقت العمل، بل يرون أن ثماني ساعات غير كافية لإنهاء المهام، فتراه قابعا في مقر عمله ساعات طويلة، قد تستمر إلى منتصف الليل، يفقد صوابه عند حدوث أي عطل مهما كان بسيطا، كما أن هذا النوع لا يلاحظ مؤشرات ودلائل ضغوط العمل، التي تكلمنا عنها وهي تنهش جسده. وهذا النوع أكثر تفوقا وامتيازا في الإدارة الوسطى، وفي الأنشطة الميدانية كالبيع والإعلان ونحوهما، إلا أنهم يخفقون في الوصول إلى قمة المنظمة؛ لأنهم لا يستطيعون الموازنة بين بدائل القرار التي تحتاج إلى الحكمة والروية، كما أنهم يعملون باجتهاد، إلا أنهم لا يعملون بأناقة، وعادة ما يكون هذا النوع راضيا جدا عن العمل ومولعا به، ولا يمانع في تقلد عدة وظائف في آن واحد. واحتمال إصابة هذا النوع بأمراض القلب يعادل ستة أضعاف احتمال إصابة الشخصيات الأخرى.
وأريد أن أختم فأقول إن الحياة الوظيفية لا تعفينا من بعض الضغوط نتيجة سلوك يصدر من زميل، أو رئيس جاهل، أو نظم وأعراف وقيم بالية، ولا نريد أن نخرج من الحياة الوظيفية وقد أخذت منا أكثر مما أعطتنا؛ لذا علينا أن نتعرف على ضغوط العمل مبكرا، وكيفية التحكم فيها؛ لئلا تحطم حياتنا، ولتكون أوقاتنا في العمل ممتعة وذكرياتنا عذبة.

إنشرها